الفرق بين اللبناني والكويتي

أنهكت الحرب الأهلية لبنان على مدى 15 عاما، وأكملت الاضطرابات والتفجيرات والأوضاع الخطرة الأخيرة ما تبقى من أمان فيه. ويبدو أن أوضاعه لن تهدأ طالما بقيت نيران الحرب الأهلية في سوريا مشتعلة. ولكن على الرغم من كل ذلك فقد تمكن اللبنانيون من مسايرة الأوضاع الخطرة والتعايش معها وحتى الإبداع فيها، فحب الحياة لديهم اقوى من الرغبة في الاستسلام. فقد نجحوا مثلا، من بين أمور كثيرة، في تركيب عدادات وقوف عصرية وسهلة الاستخدام في مواقف السيارات، ومهمة هذه العدادات ليس في رفد ميزانية الدولة بالقليل من الموارد، بل المساهمة في إعادة اللبناني الى النظام والى دولة القانون من خلال ترشيد تصرفاته عن طريق محفظته، وهذا بالذات ما نحن بأمس الحاجة اليه في الكويت، فبغير فرض رسوم وضرائب ذكية ومدروسة لا يمكن تعويد المواطن على التصرف بطريقة سليمة، والتعود عليها.

اضطررت، خلال زيارتي الأخيرة الى بيروت، لمراجعة طبيب اسنان. أوقفت سيارتي في موقف بأجر، ووضعت ألف ليرة في عداد الوقوف مقابل ساعة. بسبب ضيق الوقت لم أرتب لأي موعد، بل دلفت لأول عيادة فاعتذر الطبيب بأنه مشغول، وفي الثانية قالت السكرتيرة إن البروفيسور «منو فاضي»، وفي الثالثة لم يكن هناك أحد، وفي الرابعة كان الطبيب يغسل يديه مغادرا، وما ان رأى إمارات الخيبة بادية علي وجهي حتى دعاني للدخول، فشرحت له أنني مسافر في اليوم نفسه، وبحاجة لتثبيت تاج لضرس مؤقت، وقع من مكانه! أجلسني على كرسي الفحص، وأدخل اصابع يديه في قفازين جديدين، وتفحص تاج الضرس، وقام بتنظيفه بأكثر من أداة ومبرد كهربائي، ثم عمل خلطة اسمنت، او صمغ، لغرض تثبيت التاج، وقال انها ستكون قوية. بعد انتظار قصير، وضع التاج في مكانه وطلب مني الضغط عليه لكي يلصق تماما، وبعد ثلاث دقائق نظف ما علق حول الضرس من شوائب، ونظف حوله بمبرد كهربائي، وتمنى لي الصحة والعافية. وقفت شاكرا وسألته عن الأجر، وانا الذي أطلت يومه، فقال إنه لم يقم بشيء يذكر ورفض بإصرار أن يتقاضى شيئا! شكرته بحرارة، وتركت العيادة وذهبت الى مكان إيقاف السيارة ففوجئت بأنني وضعت مبلغا يزيد على الضعف عما كان يجب، فقد انتهت عملية تثبيت الضرس خلال 20 دقيقة، ولا يزال بإمكاني الوقوف لأربعين دقيقة أخرى! نعم، سررت لعدم دفع شيء مقابل تركيب الضرس، ولكني انزعجت لوضع مبلغ زاد على المطلوب في العداد! وهذا هو الفرق بين اللبناني والكويتي!

الارشيف

Back to Top