القوي المستنير

لا ينكر إلا جاهل أن أوضاع معظم الدول الإسلامية مأساوية، والدليل اعتمادها الكلي على الغير في «كل احتياجاتها» وتخلفها في كل ميدان! ومن دون قيام حركة إصلاح جذرية لا يمكن لهذه الأمة ان تنهض، ولهذه الشعوب أن تتقدم، ولصعوبة أو استحالة حدوث ذلك، فمن الأجدى بالتالي التصدي للقضايا - الصغيرة منها أولا - ومحاولة إصلاح الأمر أو جزء منه، وهذا ما دأبنا على القيام به عبر مئات المقالات! علما بأن عملية الإصلاح لا يمكن الاعتماد فيها على قدرة «رجل الدين» أو رغبته، فمن مصلحة أغلبهم بقاء الأوضاع على حالها، وبالتالي ليس غريبا القول ان تخلف أي أمة يقاس بقوة المتحذلقين وكثرة رجال الدين فيها، وقلة فلاسفتها ومفكريها!

يقوم المسلمون كل عام بنحر مئات آلاف الأضاحي مع نهاية موسم الحج، في تقليد ديني معروف. وكانت المسألة محمولة لما للشعيرة من دور اجتماعي مهم، ولضآلة أعداد الحجاج! ولكن الأمر تغير كثيرا في السنوات الخمسين الأخيرة، بعد أن أصبحت عملية التضحية ليست فقط مكلفة، بل وغير ذات معنى! فمن المستحيل مثلا نحر مليون «أضحية» في يوم واحد، والاستفادة من لحومها ومنتجاتها بطريقة اقتصادية! والمسألة لا تقتصر - فقط - على الخسارة المادية الكبيرة، على الرغم من أهميتها، بل تشمل أمورا أكثر خطورة وتعقيدا، وتتعلق بنشر الغش وتجذيره في المجتمع، بعد أن أصبح تسمين الأضاحي بطرق متعددة من إطعامها كميات كبيرة من الملح، لإجبارها على شرب الماء، لكي تمتلئ أمعاؤها ويزيد وزنها، أو تعليقها لفترات طويلة من رقابها بطريقة غير إنسانية، ليتراجع اللحم والشحم لمنطقة الظهر فتبدو سمينة، وغير ذلك من طرق وحشية، كليّ آذانها بقسوة مفرطة! ولو قمنا بزيارة أي مسلخ في يوم النحر لوجدنا أن العملية تؤدى بطريقة أقرب للوحشية منها لأي شيء آخر، فلا وقت لدى القصابين، بسبب الضغط الهائل عليهم، ورغبتهم في تحقيق أعلى عائد، للقيام بأي من متطلبات الذبح من تسمية أو انتظار نفوقها، بل يمسك بالخروف من رأسه ويجز عنقه بضربة سريعة ويرفسه بعيداً ليتلوى من الألم قبل أن يفارق الحياة! وواضح أن العملية برمتها روتينية ووحشية ولا علاقة لها برمزية المناسبة! وهنا ندعو المشككين، والمصرين على استمرار أداء هذه الشعيرة بالطريقة نفسها عاما بعد آخر، الى زيارة أي مسلخ، لكي يروا كيف تتم عملية الذبح، وأنا على يقين بأنهم سيغيرون من مواقفهم! وبحوزتنا فيلم فيديو يبين وحشية العملية وعدميتها!

إن وقف مثل هذه الممارسات الضارة، ماديا وأخلاقيا، التي ربما لا يستفيد منها غير مربي الماشية في استراليا ونيوزيلندا، أمر يتطلب قيام مسؤول كبير ومستنير، كخادم الحرمين، بالأمر بوقف العملية وتحويلها الى طقس رمزي، بحيث تقوم كل دولة بنحر خروف واحد، نيابة عن بقية مسلميها، وتوجيه مبالغ الأضاحي لمشروعات تعليمية وصحية، نحن في أمس الحاجة اليها، ووقف كل هذه الوحشية والغش وتضييع الثروات من دون طائل!

الارشيف

Back to Top