دولة الجسر


يقول صديقنا يوسف ان الكويت اصبح لها رديف أو دولة موازية في الخارج، دولة يعيش فيها، بصفة دائمة او مؤقتة ومتقطعة، الكويتي المقتدر ماديا والمتنفذ سياسيا! فبالرغم من أن الخدمات الصحية العصرية عرفتها الكويت قبل أكثر من مائة عام، عندما جاء أطباء مستشفى الإرسالية الأميركية، وتاليا افتتاح الحكومة للمستشفى الأميري قبل 65 عاما، فإننا فشلنا كدولة وحكومة في أن نحقق شيئا مميزا في المجال الصحي يمكن ان نفتخر به، فلا نزال نتراكض للعلاج في الخارج، زرافات ووحدانا، طلبا لخدمة أفضل، والخلل ليس في الإدارة الصحية ولا الأطباء بقدر ما هو في الإدارة السياسية.

ولو نظرنا للتعليم لوجدنا أن خبراتنا الدراسية لا تقل عن الصحية عمقا، فأول مدرسة عصرية عرفتها كانت قبل اكثر من 100 عام، ومع هذا لا نزال نرسل جيوشا من الطلبة لتلقي العلم في الخارج، بعد ان اقتصرت «إبداعاتنا» التعليمية في الداخل على فصل كلية شريعة الصبيان لتكون في خيطان، وجعل كلية شريعة البنات في كيفان، والتميز في مسابقات حفظ القرآن والتعليم الديني!

ولو نظرنا للاستثمار، الذي كنا يوما ما رواده في المنطقة، لوجدنا أن البيئة الاستثمارية بائسة وطاردة، وهكذا غادرتنا جحافل المستثمرين للعمل في أسواق أخرى.

أما الفرح، الذي غاب عن وجوه كثيرة داخل الوطن، فقد أصبح الكثيرون يبحثون عنه في الخارج، في الوطن الموازي! فلا يكاد يمر اسبوع من دون أن نسمع خبر إقامة حفل زواج فلان في بيروت أو فلتان في إسطنبول أو دبي أو غيرها.

أما التائقون لسماع ومشاهدة الفنون العالمية الراقية، التي اصبحت كاللآلئ النادرة، فليس امامهم غير اوبرا مسقط، وما يقدم من فنون عالمية في صالات عرض فيينا ولندن ونيويورك، وحتى دبي الجميلة.

كل هذا مقبول للبعض، ولكن ما ذنب المواطن غير المقتدر، التائق للفن والمحب لمشاهدة أفضل العروض الفنية، والمشتاق لنسمة حرية، والباحث عن تعليم مميز وعلاج أفضل لابنته أو لأمه العليلة؟ هل عليه القبول بما يترك له من فتات العلم وقشور الصحة، وبسمات باهتة هنا وضحكات خافتة هناك؟

ألا يستحق شعب هذا الوطن، الثري بأمواله والغني بمبدعيه، أن يحصل على أفضل الخدمات في الكون؟ أليس مخجلا أن نرى كل هؤلاء الذين يضعون قدما داخل الكويت وأخرى خارجها؟ ألا نحزن جميعا عندما نرى جسرا لا بداية له ولا نهاية ومن غير منفعة، يقام ويغلق من جانبيه، ولا يحاسب أحد عليه؟ وهل من الإنصاف أن ندفع المواطن، الرقيق الحال، لأن يشعر بأنه أقل من غيره، وأنه مجبر لسماع ترهات البعض من مشرعينا، الذين يريدون أن يحرموه حتى من اقتناء تمثال صغير في بيته، لأن اقتناءه كفر، وكأن كل ما حرم منه وعليه لا يكفي لأنه يدفعه للكفر بكل القيم والمثل!

الارشيف

Back to Top