نحن والديموقراطية

طلب مني صديق وقارئ أن أكتب شيئاً عن الديموقراطية، الغامضة عليه وعلى الكثيرين من أقرانه، وحيث إنني لا أزيد عنهم فهماً، فقد قررت البحث في هذا الموضوع ومعرفة شيء من تطبيقاته لدينا ولدى غيرنا.

الديموقراطية كلمة يونانية، وتتكون من: ديموس، أي الشعب، وكراتوس أي الحكم. والأصل في الديموقراطية حكم الشعب لنفسه، أي إجراء استفتاءات شعبية متلاحقة على كل أمر، وحيث إن هذا يصعب كثيرا، فبالتالي تم اللجوء للنظام الانتخابي الذي يقوم فيه الشعب باختيار من يمثله في البرلمان، بحيث تكون مهمة البعض منهم تشكيل الحكومة، والبعض الآخر مراقبة الحكومة والقيام بسن القوانين. مشكلة الديموقراطية،وغيرها، تكمن في التطبيق، وخاصة في الدول الفقيرة والكثيفة السكان ذات الأمية العالية! كما أصبح كل متسلط ودكتاتور يدعي أنه ديموقراطي، وهذا ما حدث على مدى أجيال في الأنظمة الشيوعية، وبعض الأنظمة الفاسدة الأخرى، مثل نظام زفت القذافي وغيره، ووصل الحال حتى بالأحزاب الدينية، كــ«الإخوان المسلمين» للمناداة بالديموقراطية، علما بأن مبادئها تخالف أبسط أسس الأحزاب الدينية ومنها الإخوان، الذين ينادون بحق المسلم في تسيّد غيره من أتباع الديانات الأخرى! وبالتالي من السخف تصديق إيمان اي حزب ديني خالص في تدينه بالعملية الديموقراطية التي قد تأتي بأغلبية نيابية مسيحية، أو بتولي يهودي سدة القضاء، أو أن تكون قيادة المجلس الدستوري مثلا لبوذي. وقد رأينا كيف قام شراذمة «الإخوان» بجريمة حرق وتدمير والعبث بمحتويات عشرات الكنائس المصرية العريقة، فور نجاح الجيش في طردهم من أماكن اعتصامهم في ساحات المدن المصرية وشوارعها، هذا غير قتل مئات المواطنين الأبرياء وتشريدهم، فقط لأنهم مسيحيون، ولا أدري ما علاقة مزارع قبطي بسيط يزرع حقله، بصراع سياسي يجري على بعد مئات الكيلومترات عنه؟!

ويقال إن الديموقراطية، بالرغم من كل عيوبها، هي أفضل انظمة الحكم، وهذا صحيح، فالعقل البشري لم يتمكن حتى اليوم من تقديم بديل أفضل، وكما أن خطأ طبيب لا يلغي الطب، فإن خطأ الديموقراطية، بأي من أشكالها، لا يلغي الديموقراطية. ويمكن القول كذلك إن الديموقراطية، في أفضل تطبيقاتها توجد في الليبراليات الغربية، التي يتم فيها التداول السلمي للسلطة، والتي تعتمد في شرعيتها على مدى قبول الشعب لها، فمن دون ذلك لا شرعية لها، وقد اضطرت حكومات غربية عدة للاستقالة، بالرغم من امتلاكها للأغلبية البرلمانية، عندما شعرت بأنها فقدت شعبيتها، أو شرعيتها، لدى الرأي العام، الذي يمكن قياسه من خلال وسائل الإعلام المختلفة! والديموقراطية هي عكس الدكتاتورية، أو حكم الفرد، الذي لا يسمح بتداول السلطة. وتعتبر الديموقراطية أكثر أنواع الحكم تحديا للقدرة البشرية، سواء تلك التي لدى السياسيين أو بقية الشعب. والديموقراطية عندما تطبق بطريقة سليمة تكتسب الشرعية. وتكمن عظمة الديموقراطية، وضعفها في الوقت نفسه، في أن صوتا واحدا لمواطن بسيط نصف متعلم، كفيل بترجيح كفة الفائز بأعلى مناصب الدولة. وبالتالي فالديموقراطية لا تعني فوز المرشح لأي منصب كان بـ%51 من أصوات الشعب، وهو المفترض، ولكن فوزه بـ%51 ممن شاركوا في العملية الانتخابية، والفرق عادة ما يكون كبيرا. فقد تحاول جهات منع مناوئيها من التصويت، كما حدث مؤخرا في زمبابوي، أو توزيع الأموال وزيوت الطبخ والسكر لحث المترددين على الاقتراع لهم، كما حدث في انتخابات مرسي!

وكل ديموقراطية وأنتم بخير.

الارشيف

Back to Top