ملاحظات نزار وسعود

امتلأت وسائل الإعلام الإقليمية في الأشهر القليلة الماضية، بدعوات لمقاطعة الشيعة وتخوينهم وتخويف الجماهير منهم والدعوة لقتلهم، لأنهم، وليس المجاعة ولا الفقر ولا المرض ولا أميركا ولا حتى إسرائيل، يمثلون الخطر الأكبر المقبل!! وهذا المقال شبه رد على هذا الشحن الطائفي السخيف الذي لا يهدف لغير إشعال المنطقة بحروب طائفية مدمرة!

عاد صديق ورجل أعمال معروف من زيارة استغرقت أسبوعا لمدينتي النجف وكربلاء، حيث أنهى عدة صفقات تجارية. وقال انه تألم لوضع المدينتين، وهو المختلف مذهبيا عن سكانهما! فبالرغم من أنه وجد ترحيبا جميلا، ومناخا استثماريا جيدا، إلا أنه لم يرتح لا في نومه ولا تنقله ولا طعامه بسبب افتقار المدينتين لكل شيء يليق بمكانتيهما، الدينية والتاريخية! وقد ذكرتني ملاحظاته تلك بمقال كتبه الزميل العراقي نزار أحمد، تطرق فيه لما تعرضت له المناطق الشيعية، طوال عقود، من إهمال الحكومات المتعاقبة لها، بالرغم من أن الشيعة شاركوا في تلك الحكومات بشكل مميز وقوي. واشتكى الزميل من هيمنة السنة على الوظائف الحكومية، وتطرق لسبب ذلك تاليا. وقال ان المجتمع الشيعي، ومنذ ولاية الدولة العثمانية، يختلف عن المكونين السني والكردي، حيث تتحكم به مؤسستان: الدينية والعشائرية، فالأولى دفعت ولا تزال باتجاه إبقاء اتباعهم تحت سيطرتهم، لاستمرار استفادتهم منهم ومن ضعفهم. وقال انه عند نشأة الدولة العراقية عام 1921 قامت المؤسسة الدينية الشيعية بمقاطعة العملية السياسية وحرمت الانتماء الى مؤسسات الدولة العراقية او حتى التعامل معها، وهذا مهد الطريق لهيمنة المكون السني! كما حرمت المؤسسة الدينية الشيعية، او لم تشجع الانتساب الى الكليات العسكرية، وبالتالي رأينا أن غالبية من قاموا بالانقلابات العسكرية، على مدى نصف قرن تقريبا، كانوا من السنة، وليس في هذا طبعا ما يدعو للفخر!! كما كان للمرجعيات دور في إفقار المجتمع من خلال تأييدها للاقطاع الزراعي والنظام العشائري. كما أن المرجعية لم تكن بطبيعة الحال تؤيد الانتماء للأحزاب الليبرالية والتقدمية، والغريب ان في مرحلة ما كان المكون الأساسي للأحزاب الشيوعية من الشيعة!

ويستطرد زميلنا في القول انه، وبعد ثماني سنوات من وصول الحكومات الشيعية الى دفة الحكم، لا يزال السؤال واردا: ماذا قدمت للمكون الشيعي غير الفقر والتشرذم والتخلف والامراض والبطالة ونقص الخدمات والركود الاقتصادي والفقر الثقافي واغتصاب الأنشطة الترفيهية وتقسيم المجتمع الشيعي الى بؤر دينية متناحرة واعادة هيمنة النظام العشائري؟ ويورد الزميل سؤالا مهما آخر: لماذا لا يمثل الشيعة غير صاحب العمامة؟ ويجيب بأن السبب يكمن في تحكم المؤسسة الدينية، وسياستها في ابقاء المجتمع الشيعي متخلفا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا، وبالتالي لم يتجرأ غيرهم على تمثيل الشيعة! ملاحظات صديقي رجل الأعمال، وكلمات الزميل نزار، دفعتني للتساؤل عن مصير مليارات الدولارات التي دفعت، على مدى نصف القرن الماضي على الأقل، من «الخمس» والمساعدات، لكبار الشخصيات السياسية والدينية؟ وهل حقا يمثل العراق أو حتى إيران المنهكة بمشاكل ومصائب لا تعد ولا تحصى، بفضل حكم متخلف، خطرا على أمن المنطقة وسلامتها؟

الارشيف

Back to Top