جسر تنهدات اليرموك

هناك جسر في مدينة البندقية الإيطالية يمر السياح فوقه فيطلقون تنهدة عميقة تيمنا بالتنهدات التي كان يطلقها في غابر الأيام المحكوم عليهم بالموت، كما تقول الرواية، وهم يعبرون الجسر لآخر مرة في طريقهم إلى ساحة الإعدام! وفي منطقة اليرموك الكويتية، وعلى شارع الملك فيصل، جسر تمر المركبات بمحاذاته ويتنهد سائقوها ألما وحسرة لوضعه ومكانه، ولما وصل له الفساد في دولة كانت يوما «نظيفة وجميلة»!

تستخدم المعارضة السياسية في الدول المتقدمة تعبير «جسر إلى لا مكان» أو a bridge to nowhere عندما تريد انتقاد الحكومة على إنفاقها مبلغا كبيرا لتحقيق هدف صغير، اي ان المال الذي صرف سوف يؤدي للا شيء تقريبا! والتعبير نفسه يطلق على اي جسر يبنى على طريق ما ولكن لا طرف منه يؤدي لأي مكان، وعادة ما يكون مثل هذا الجسر من دون خدمات وغير كامل الإنشاء ويفتقد شروط الأمان، وبني لغرض تنفيع جهة أو شخص ما. وعلى الرغم من أن جسورا كثيرة حازت لقب «جسر إلى لا مكان»، وفي أكثر من دولة في العالم، إلا ان اشهر هذه الجسور ربما كان جسر «فورت دوكسن» fort duquesne bridge الذي بني عام 1963 على نهر أليكاني في بتسبيرغ، بنسلفانيا، والذي ما ان انتهى بناؤه بعد 6 سنوات، حتى تبين أنه لا يؤدي إلى اي مكان، ففي طرفه منطقة فضاء كبيرة لا يحدها البصر والشيء ذاته في طرفه الآخر، وبقي على حاله دون ان يستخدمه احد لأكثر من عشرين عاماً، قبل ان تقرر بلدية المدينة بناء استاد رياضي على أحد طرفيه.

نعود إلى جسر اليرموك، والذي بني على خط مواز لطريق الملك فيصل باتجاه المطار، والذي يبدأ أوله بعد فتحة الدخول والخروج من منطقة اليرموك على الطريق نفسه ويستمر بمحاذاته لينتهي لــ... لا شيء! وهذا ما دفع الأشغال لوضع كتل كونكريت على مدخله وأخرى على مخرجه، لعدم الحاجة له، علما بأن طوله يزيد على 100 متر، وربما تكلف الملايين، ومع هذا لا فائدة منه، وما يقال من انه بني لكي تستخدمه «شخصية أمنية» عند خروجها من اليرموك في طريقها للمطار، دون أن تضطر للدخول في زحمة مرور الملك فيصل لمائة متر، أمر لا يعقل ابدا! ولا شك ان الجهات أوصت ببناء الجسر، ووافقت على بنائه مستفيدة من فساد الوزارة المعنية! وهنا نتمنى على وزير الأشغال التفرغ لدقائق وطلب ملف هذا الجسر العجيب، واستعراض عدد ووظائف المهندسين والإداريين الذين أقروا موقعه وتكلفته، والشركة التي نفذته وحينها سيكتشف، إن احب ذلك، الكثير من مواطن الخلل في وزارته. وفي السياق نفسه فإن القول بأن فساد البلدية لا تحمله الجمال ربما لا يكون دقيقا، فالبلدية لا تشكو من الفساد بقدر ما تشكو من فقدان الإدارة الحازمة، فغياب الإدارة الجيدة هو الذي نشر الفساد فيها! ولو اشتهى مديرها العام أو وزيرها كشف الفساد فيها ووضع حد للبعض منه لما تطلب الأمر أكثر من طلب ملف بناية عالية واحدة في أي منطقة مكتظة، واستعراض اسماء من وافقوا على ترخيصها بالرغم من افتقادها لكل شروط الأمن والسلامة ومواقف السيارات، وهنا سيجد جيشا من الفاسدين والمفسدين الذين وضعوا تواقيعهم الكريهة على كل مخططات البناء من دون خوف من عقاب!

***

• ملاحظة: شكراً لينا باكير، فقد أسعدت نفوسنا العطشى للجمال والفن لساعتين، بعيداً عن قضايا «الداو» وسرقات المال العام وخراب التعليم وتخلف النفوس والعقول.

الارشيف

Back to Top