الحياة هي القهوة

  قررت مجموعة من خريجي جامعة مرموقة ممن حققوا نجاحاً في حياتهم العملية، وأثناء لقائهم السنوي، زيارة أحد كبار أساتذتهم والذي كان له تأثير في حياتهم. وأثناء اللقاء تحوّل مجرى الحديث إلى الشكوى مما يواجهونه جميعاً في أعمالهم وحياتهم من معوقات، وما يتعرضون إليه من ضغوط نفسية.

وهنا قام البروفيسور واتجه إلى المطبخ قائلاً إنه سيحضر لهم القهوة. وعاد بعد لحظات طالباً من كل واحد أن يقوم بخدمة نفسه في صب قهوته، ووضع لهم على رف المطبخ تشكيلة من فناجين القهوة، ليختار كل واحد منها ما يشاء، وكانت المجموعة تتكون من كوب مصنوع من البورسلان وآخر من الزجاج وثالث من البلاستيك ورابع من الكريستال وخامس من الورق وهكذا. كان بعضها يبدو جميلاً بما عليه من رسوم، وآخر يبدو باهتاً من الاستخدام الطويل، وثالث يبدو أنيقاً بتصميمه المثالي، ورابع يبدو عملياً، ولكنه ليس بالأنيق، بعضها يبدو غالي الثمن، وبعضها الآخر لا يساوي حتى ثمن ما يحتويه من قهوة. وعندما عاد كل منهم إلى مكانه وبيده الفنجان الذي اختاره لقهوته، قال لهم البروفيسور: كما تلاحظون، فقد قام كل واحد منكم باختيار أفضل كوب لنفسه، وترك الأكواب التي بدت أقل قيمة وجمالاً لغيره، وربما يكون تصرفكم طبيعياً، فكل منكم يريد الأفضل لنفسه، وهنا تكمن مشكلة كل واحد منكم، وشكواكم من تعرضكم يومياً للضغوط النفسية. فمن الواضح أن شكل أو ثمن أو مستوى كوب القهوة الذي اخترتموه لم يضف شيئاً لطعم القهوة بداخلها، مهما كان الكوب غالياً أو جميلاً، فأنتم جميعاً الآن ترتشفون قهوة من النوعية والطعم نفسهما، فأنا لم أقدم لكم شيئاً غيرها، وقبلتم عرضي على تناولها، وهذا ما سعيتم إليه بقيامكم من مقاعدكم والذهاب إلى المطبخ، ولكنكم قمتم جميعاً، ربما دون وعي، باختيار أفضل كوب، وما إن جلستم حتى قام كل منكم بمقارنة كوبه بأكواب غيره...! والآن لو افترضنا أن الحياة هي القهوة، وأن المال والوظيفة والوضع الاجتماعي هي الكوب، فإننا في سعينا للحصول على مال أكثر ووظيفة أفضل ووضع اجتماعي أرقى ننسى في كل هذا الخضم أن نعيش الحياة! وربما يشعر من حصل منكم على كوب رخيص أنه يتناول قهوة أقل جودة من غيره، وهذا طبعاً غير صحيح، فالقهوة واحدة، ولكن الشعور المخادع بأن الكوب الأفضل يجعل طعمها أفضل هو الذي يرهقنا وينسينا كيف نتمتع بحياتنا! وعلينا بالتالي أن نتذوق طعم الحياة، وليس شكل الكوب، فالسعداء ليس أولئك الذين يمتلكون كل شيء، بل الذين يستخدمون كل ما لديهم بطريقة أفضل!

***

• ملاحظة:

يقول ابن رشد، المفكر العربي الأول والأكبر، والذي لم تكرمه أي دولة عربية أو إسلامية، بإطلاق اسمه على حتى «زنقة»، يقول: إذا أردت أن تتحكم في جاهل، فعليك أن تغلّف كل باطل بغلاف ديني!

الارشيف

Back to Top