بونودوتشيه

عندما قررت كتابة مقال عن مدينة فينيسيا الجميلة، في زيارتي الثالثة والأجمل لها، لم أعرف كيف ومن اين ابدأ، وتذكرت كلمات أغنية اشتهرت عام 1970 وغناها مطربون كثر، وكلماتها تقول

where do i begin to tell the story of how great a love can be, the sweet love story that is older than the sea, the simple truth about the love she brings to me, where do i start

ففينيسيا، أو البندقية، كما نعرفها، مدينة تجمع بين الجمال والعراقة والتاريخ، كما أن دخول بيوت البعض من ساكنيها ومواطنيها وعشاقها، وما اكثرهم من مشاهير العالم، ليس كالخروج منها، فهنا تسمع الآهات إعجابا بما هم عليه من تطور وحب للفن والجمال، وتطلق التنهدات حسرة على أوضاعنا، وما أضعناه من وقت ومال على التافه من الأمور، من دون اهتمام لا بالثقافة ولا بالفن ولا بالتاريخ ولا حتى بأي شيء آخر غير استخراج النفط وصرف عائداته بغير حكمة ولا دراية، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل أكمل جراد الثمانينات العقائدي المهمة وحطم اي أمل في إحراز أي نوع من التقدم المعقول وفي أي مجال كان، وبالتالي لا أدري من اين ابدأ في الحديث عن فينيسيا، التي تمتلئ بمتاحف الآثار والفنون المعاصرة والقديمة، وكنائسها القديمة والعريقة التي تخلب ديكوراتها الداخلية وتصاميمها الخارجية الألباب وما تتضمنه مبانيها من ثراء وتاريخ، فقد كان لفينيسيا، التي كانت يوما جمهورية، أو دوقية مستقلة، قبل ان تصبح جزءا من إيطاليا، تاريخ تجاري وحربي معروف، خصوصاً خلال الحروب الصليبية، وكانت جيوشها أول من استخدم البنادق الحربية في المعارك. وقد كتب عن البندقية الكثيرون وتغنى بجمالها الشعراء على مر العصور، ومنها رائعة شكسبير «تاجر البندقية»! كما اختارها مشاهير العالم من قادة وسياسيين وفنانين كبار موطنا لهم، وكانت طبيعتها الخلابة وجسورها وشوارعها المائية مصدر إلهام لأعمال فنية لا تعد، ولا أدري لم أطلق العرب عليها اسم «البندقية»، فليس هنا ما يفيدنا غير التخمين، فقد يكون السبب أنها كانت المصدر الأول للبنادق، أو ربما اشتقت التسمية من الإيطالية، حيث كان يطلق عليها «الدوقية الجميلة» أو الـ «بونودوتشيه» القريب لفظها من البندقية! وأخبرني سفير إيطاليا السابق أن التسمية ربما اخذها العرب عن الألمانية، حيث تعرف البندقية بــvendeg أو شيء من هذا القبيل! وقد انتشرت على الإنترنت حكاية، سبق أن تطرق إليها زميل، تقول إن مقهى فينيسياً يقوم بعض رواده بطلب فنجان قهوة ودفع ثمن فنجانين بحيث يكون الثاني بتصرف غير القادر على شراء فنجان الـ «اكسبرسو»، وهؤلاء يستدلون على توافر فنجان مجاني من علامة يضعها صاحب المقهى على الحائط الخارجي! وعندما سألت صديقة نصف «فينيسيه» عن حقيقة هذه القصة ضحكت وقالت باقتضاب: كبر عقلك، فالفينيسيون، بالرغم من الاختلاف الكبير في لهجتهم عن بقية «الطليان» إلا أنهم لا يختلفون عنهم في حرصهم على المال، كحال بقية الأوروبيين، وبعدهم عن السفه في الصرف!

الارشيف

Back to Top