هل نحن وطنيون؟


في كل عيد استقلال وتحرير يخرج الشعب الكويتي الوفي للتعبير عن «جميل» مشاعره تجاه وطنه، وليظهر مدى حبه لقيادته، وهذا أمر يبدو مدعاة للفخر، خصوصا عندما نقارنه بــ «برودة» مشاعر الغربيين تجاه مثل هذه المناسبات وعدم استعدادهم للتظاهر بسياراتهم في الشوارع لساعات، ربما لأن البنزين عندهم له ثمن ووقتهم أثمن! أو ربما لأنهم لم يكتشفوا حتى الآن مدى لذة رش الآخرين ومركباتهم بالرغوة السخيفة! كما أننا، بسبب حرارة مشاعرنا، نمتاز عنهم بقدرة واستعداد أكبر لأن نظهر «حبنا وولاءنا» الوطني الذي لا ينضب ولا ينتهي. ولكن هل المبالغة في اظهار المشاعر في الأعياد السياسية ورفع الاعلام على البيوت والمركبات وتزيين المباني، ووضع صور القيادة السياسية في كل مكان، وسماع وترديد الأغاني الوطنية، والصراخ بملء حناجرنا: «كويتي وأفتخر» دليل كاف على حب الوطن؟ فان كان الأمر كذلك، فلماذا لا نرى مثل هذه المظاهر «المباركة» في غالبية دول العالم؟ الحقيقة ان ما يقوم به الكثيرون في مثل هذه المناسبات الوطنية أمر جيد، وعفوي في غالبه، ولكن حب الوطن والقيادة ليس بتعليق الصور ولا برفع الأعلام، بل بالوفاء له والعمل لمصلحته، ان بالسلوك أو التصرف الصحيح، وبالمحافظة على المال العام، فما الذي يفيد الوطن والمواطن ان قام «محتفل» وطني غيور بتعليق مئات الأعلام على بيته وتغطيته بعشرات آلاف الصور والمصابيح الكهربائية وذهب في اليوم التالي لعمله، كعادته منذ عشرين عاما، متأخرا؟ وما حاجة الوطن والقيادة الى وطني غيور لا يرضى بأن يتكلم أحد عن وطنه وقيادته بسوء، ثم لا يكترث للطريقة التي يقود بها مركبته، ويزعج الآخرين، ولا بما تسببه رعونته من أذى للغير، أو بعدم اكتراثه بالوقوف في الأماكن المخصصة للمعاقين مثلا؟ لا نحتاج الى ذكاء أو دقة ملاحظة لنجد أن الأغلبية تتغنى بحب وطنها، هي الأغلبية نفسها التي لا تعرف «كوعها من بوعها» فيما يتعلق بالحب الحقيقي للوطن وحفظ مصالحه. فمن الذي يرتكب يوميا كل هذا الكم من مخالفات النظافة، ومن الذي يرمي أنقاضه على بيت غيره، ومن الذي يهدر كل هذا الماء والكهرباء، دون سبب، ومن الذي يعطل مصالح المواطنين في عمله، إما بتغيبه واما باهماله، ومن الذي يقبض مبلغا ويطلق سراح مجرم خطر يعالج في المستشفى، ومن الذي يغتصب الخدم في «نظارات المخافر» ومن الذي يهرب المخدرات للسجون ويبيعها في الشارع، أو يسهل دخول الهواتف النقالة وممنوعات أخرى للمساجين الخطرين؟ ومن الذي يخرب ذمم النواب ويبيع الشهادات المضروبة وآخر يشتريها، ويهدد الوزراء بالمساءلة، ويتلف البيئة بمخلفاته أثناء وبعد وضع خيمة بالية في الصحراء الجميلة؟ ومن التي لا تكترث لربط حزام الأمان وهي تقود مركبتها، وتصر على أن يجلس ابناؤها على الكرسي الأمامي من السيارة من دون حماية؟ أليس هؤلاء هم الذين نجدهم في الصفوف الأمامية من أي تظاهرة حب وطن، والذين لا يترددون في غلق الشوارع وعرقلة السير وتعطيل مصالح الناس، بحجة أن من «حقهم» الاحتفال بطريقتهم الخاصة بهذا الحب؟ وأخيرا وليس آخرا، مَن مِن هؤلاء على استعداد للتطوع في عمل انساني من دون مقابل، من أجل وطنه؟ ..... ربما لا أحد من هؤلاء!.
***
● ملاحظة‍: اشتكى الكثيرون من المستوى الفوضوي لكثير من مظاهر الاحتفال بالعيد الوطني، وما تضمنه من تشويه، وزينات اعتباطية، تفتقر الى الحد الادنى من الذوق، وتسيء للمناسبة ولمكانة الكويت، فهل هناك جهة مسؤولة هنا؟.

الارشيف

Back to Top