لقد طال سباتنا


يعيش على كوكبنا أكثر من 7 مليار من البشر، وجزء كبير منه لم يسمع بالإسلام وأقل منهم بكثير سمع بالشيعة، ومن سمع فهو غالبا لا يعرف من هم كبار اعمدته، وبالتالي أقتصر الأمر ربما على بضعة مئات من الملايين، وهذا لا يقلل حتما من عظمة شخصيات المذهب ومكانتهم في نفوس جميع المسلمين، وليس فقط أتباعهم. المشكلة تكمن فيما يعتقده البعض من أن "استشهاد" الإمام وضع أسس أعظم ثورة في التاريخ، تشمل العالم أجمع، وأنها رسخت مبادئ الحرية والعدالة إلى الأبد، وهذا هو ما يقال ويردد بكثرة، منذ عقود طويلة، على المنابر الحسينية! ولا أدري كيف يجوز قول هذا الكلام وبعد أكثر من 1400 على المعركة التي قتل فيها الإمام الشهيد، والعالم في غالبيته، على مدى تلك الفترة لم يسمع لا بالشيعة ولا بالثورة ولا حتى عرف الحرية والعدالة، قبل أن يأتي الغرب والثورة الفرنسية بالذات، ويضعوا مبادئها التي عرفها العالم أجمع من خلال مناهج مدارسه ودساتيره وأشعاره وكتاباته. وبالتالي فإن هذه المبالغة في وصف الأمر لا تصب إلا لصالح فئات لا زالت، ابا عن جد، تستفيد من إقامة هذه الشعائر والاستماتة في الدفاع عنها لتعلق مصالحها الشخصية والسياسية بها، والدليل على ذلك ما نشب من صراع دموي في الساعات الأولى التي تبعت سقوط صدام ونظامه، بين جماعة الصدر من جهة وبين من كانوا سدنة على المراقد لسنوات طويلة، والذين كانوا يسيطروا على موارده النقدية الضخمة، وبينهم رجال دين كبار، وهذا يعني أن المسألة مادية وسياسية ولا علاقة لها بالحق والباطل ولا بشهادة الحسين ولا بمضلومية الشيعة! وبالتالي يسعى من يدعون الدفاع عن الحسين لكتم اصوات كل من يحاول كشف الاعيبهم واستغلالهم لمشاعر العامة في تكوين الثروات وتحقيق النفوذ الطائفي والسياسي، فمن صالح هؤلاء بقاء العامة على "عميهم" وجهلهم بالحقيقة. وقد لاقى كل من حاول التعرض لهذه الممارسات الصد والنبذ، واحيانا القتل، وخاصة أولئك الذين حاولوا رفع مستوى الاحتفاء بشخصية كالحسين وبسيرته العظيمة، وعدم قصر الأمر على مظاهر الحزن من تطبير وضرب بالسلاسل التي ثبت، بعد ممارسات طالت قرونا، أنها لم تجعل من الشيعة أفضل من غيرهم في أي مجال كان، بل بقوا مثلهم مثل غيرهم في مجتمعاتهم، بكل نقاط الضعف أو القوة، إن وجدت! وبالتالي لا داع هناك لكل هذ الغلو، وخاصة في العراق الذي يشكو من كل مشكلة يمكن تخيلها على وجه الأرض! وهنا يقول الكاتب العراقي "رشيد الخيون"  في مقال له بعنوان: مع إيقاف التدهور في الوعي، صحيفة الاتحاد،  ديسمبر 2012، بأنه إذا كانت ثورة الحسين من أجل الحرية، فلا أظن أنه جعلها مشروطة! وقال أنه يحب الحسين لأنه منحه حريته، حتى في مناقشة تجربته، ولكن المستفيدين من محنته جعلوا منه سدا بينه وبين الحرية!، ومع اعترافهم بأنه أبو الأحرار حولوه إلى «أيقونة» وليس إلى ذلك المُجدد الذي يرغب في مجاراة العصور. وقال أن التظاهر بالحزن على الحسين مكن البعض من إقامة دول لم ترفع السواد راية إلا حزناً على الحسين، حاربت بهما حتى تمكنت، ومنها الدولة العباسية والفاطمة وآخرها "الصفوية" (1501-1723). وقال أنها تجارة مربحة، لكن خطورتها تكمن في تحولها لوسيلة استغفال اجتماعي. فمؤسسات السلطة العراقية تلهج بثورة الحسين لكنها لم تعمل شيئاً مما تدعيه، وكأنها تريد القول للقاصدين كربلاء لكم لطم الصدور ولنا السلطان، ومن يموت وهو في طريقه إلى المستشفى بسبب غلق الطرقات يعد شهيداً! وإذا قيل أن الحسين أبو الأحرار، فقطعاً هو مع إيقاف التدهور المريع في الوعي الجماعي.

الارشيف

Back to Top