انتحروه ولم ينتحر

حدثت القصة الحقيقية التالية في صيف عام 1973 اي قبل ربع قرن بالتمام والكمال .
كنت مارا بسيارتي في منطقة الزيتونة ببيروت متجها الي مكتب تمثيل بنك اجنبي حيث كنت اراقب طريقة العمل فيه عندما وقعت عيني علي تجمع كبير امام احدي العمارات ورايت رجلا يقف علي الحافة الخارجية لشرفة عمارة محاولا الانتحار !!! بسبب ارتباطي بموعد مسبق فقد واصلت السير غير مكترث بالامر .
نقلت صحف اليوم التالي قصة ذلك الرجل الذي تبين انه تاجر "شنطة" مصري يعمل بين بيروت والاسكندرية , وعندما تدهورت احواله المادية لسبب ما قرر ان يتخلص من حياته برمي نفسه من غرفة الفندق المتهالك واخذ من ذلك موقعه ذلك يكتب رسائل عاطفية الي اهله واصحابه ويرميها الي المئات الذين تجمعوا تحت تلك الشرفة من اصحاب المحلات والمارة الفضوليين يطلب منهم ايصالها الي اصحابها !!!
بينت الصور التي نشرتها الصحف في اليوم التالي مراحل الانتحار خطوة خطوة ففي المرحلة الاولي بدات مرحلة كتابة الرسائل وفي الثانية بينت الصور فتاة عارية الصدر تعرض مفاتنها علي الرجل محاولة اقناعه بمباهج الدنيا وجمالها لعل ذلك يثنيه عن قراره , وعندما استمرت عملية الرفض بينت الصورة الثالثة رجل دين مسيحيا وهو يحاول ثني الرجل عما انتوي عمله ويبين له مخالفته لتعليم الدين وعندما استمر رفض الرجل لكل المحاولات والتوسلات والاغراءات دخلت العملية مرحلة درامية خطيرة حيث اصيب الجميع بحالة من الثورة والهياج بعد ان سئموا من الانتظار وتعبوا من النظر الي اعلي لفترة تزيد علي اربع ساعات وفي طقس حار ورطب واخذوا بتوجيه بمختلف انواع السباب للرجل ووصفه بالجبن والذل وهنا اصيب الرجل بحالة هيجان واخذ يوجه السباب للجميع ويصرخ شاتما الدنيا ومن فيها من البشر ... وفجاة ... قفز من ذلك العلو الشاهق الي حتفه ومات من فوره !!!
تاسف علي مصيره البعض واصيب اخرون بالصدمة من هول المنظر ولكن شعر الجميع بالراحة لانتهاء" المسرحية " فانفض الجميع بعدها بدقائق وذهب كله الي عمله وكان "مانشيت" جريدة النهار يحمل الكلمات التالية في اليوم التالي :
"انتحروه ..ولم ينتحر " حيث اعتقد المحرر ان فرصة انقاذ حياة رجل كانت كبيرة وبعد اكثر من اربع ساعات من تهديده بقتل نفسه ولولا نفاذ صبر الناس وتحديهم له ونعته بالجبن والخسة لتردده في اتخاذ القرار لما انتحر !!
وحيث ان عملية انتقالنا من صفحة "المقالات" للكتابة في صفحة "اتجاهات" قد تمت بطلب من الجريدة وبرضانا فانها اشبه بعملية:
نقلوه ... ولم ينتقل !! وعليه نحتفظ بحقنا في العودة الي زاويتنا السابقة سالمين او مثخنين بالمؤلم من الجراح عندما نجد ان بوصلة "الاتجاهات" لا تعمل بصورة جيدة !!!.

الارشيف

Back to Top