ما الفرق بين المتواطئ والساذج؟

من المعروف ان الجهل بالقانون ليس عذراِِ والقانون لا يحمي من لا يقومون باتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية أنفسهم من عمليات النصب والاحتيال.
والمعروف ايضا ان عمليات خرق القوانين التجارية، والتحايل عليها، مثل زيادة نسبة الشيكات غير المدفوعة والتهرب من دفع الالتزامات المالية، تزداد بشكل حاد مع تدهور الحركة التجارية وانكماش السوق وانعدام السيولة النقدية.
ما تمر به الاسواق التجارية حاليا من ركود تجاري واضح، عامل مشجع لازدياد حالات الهرب والتهرب من سداد الالتزامات المالية، سواء في صورة عدم وجود مقابل للشيك، أو تأخر في تحصيل الديون المتراكمةِ وقد بينت ميزانيات الكثير من الشركات التي تتعامل بالمواد الاستهلاكية او الانشائية خسائر كبيرة ناتجة عن التوسع في منح تسهيلات وتسليفات شراء غير مدروسة لشركات وأفراد في السوق، وعدم تمكنها بالتالي من تحصيل ديونها لسبب او لآخر.
قمت قبل ايام بالاتصال بأحد مدققي الحسابات المعروفين والمسؤول عن تصفية اكثر من شركة ومؤسسة تجارية وسألته عن الوضع في المحاكم، فقال إن هناك زيادة حادة جدا في عدد قضايا الشيكات المعادة من البنوك بسبب عدم وجود رصيد كاف يغطي قيمتها، وإن عملية فتح حساب جار لدى الكثير من البنوك مسألة سهلة جداِ يبدأ بعدها مسلسل توزيع الشيكات مؤجلة الدفع يمينا وشمالا في السوق بعد استلام ما يقابلها من بضائع متنوعةِ وعملية البيع مقابل شيكات مؤجلة الدفع مغرية لطرفي العلاقةِ فهي مغرية للتاجر الذي يود تصريف بضاعته الكاسدة في هذه السوق الراكدة وتحقيق ربح كبير مقابل شيك مسحوب على مصرف محليِ كما انها مغرية ايضا لمصدر الشيك الذي يشعر بأنه حصل على بضائع مجانية على الرغم من ارتفاع ثمنها، وذلك لقناعته بأنه سيقوم ببيعها نقدا بعد تخفيض قيمتها الى النصف مثلا وقبض ثمنها والتمتع به او المتاجرة بالمبلغِِ فربما يحالفه الحظ ويحقق صفقة يتمكن عن طريقها من تسديد ديونهِ فان فشل فأمامه أكثر من حل: اما ان يرحمه المدين ويصبر عليه، او ان يتمكن من الاختفاء من وجه العدالة حتى تحل اموره، او الهرب، او قبول حكم القضاء والتمتع بضيافة جدران السجنِ فالامور بالنسبة له في جميع الاحوال خمر أما غد الغيب فأمره امر!! ومن يقم بمراجعة صفحات قضايا المحاكم في الجريدة الرسمية يكتشف عدد الاحكام الصادرة بحق العديدين نتيجة قيامهم بإصدار شيكات من غير رصيدِ وسينتابه شعور قوي بعدم الراحة لرؤية شيك غريب الشكل والاسم لصالحه، وسوف لن يهدأ له بال حتى يخبره البنك بأن الشيك قد تم صرفه من دون مشاكل.
وعلى الرغم من سنوات الخبرة المصرفية، التي امتدت على مدى ثلاثة عقود بشكل او بآخر، وعلى الرغم من معرفتي، سواء بطريقة مباشرة او غير مباشرة، بالاوضاع المالية والتجارية لنسبة كبيرة من التجار ورجال الاعمال في الكويت، سواء من المواطنين او من المقيمين، الا ان هذه المعرفة الواسعة نسبيا لم تمنع تعرضي لخسائر كبيرة نتيجة قبولي الدفع بشيكات مؤجلة السداد، والتي تبين بعدها ان اصحاب بعضها قد غادروا البلاد بعد ان تركوا وراءهم إما مواطنا متواطئا معهم في عملية النصب والاحتيال او ساذجا لا يعرف الورطة الخطيرة التي وضع نفسه فيها نتيجة قبوله بدور الشريك النائم او الغافل.
احمد الصراف

الارشيف

Back to Top