البيئة الطبيعية

لا أعتقد ان باستطاعة احد فعل شيء لانقاذ الوضع، او مجرد المساعدة في وضع حل او علاج لهِ ولكنني سأكتب عنه على اية حال فربما نستطيع انقاذ ولو متر واحد من البيئة الكويتية التي يتم الاعتداء عليها كل يوم وساعة، بل وفي كل دقيقةِ ونحن جميعا لا نتحرك لعمل شيء بل ان شعرنا، جهلا او عجزا، ان ليس بامكاننا فعل شيء طالما ان من 'كوش' من جماعة الصحة اياهم على كل ما تعلق بالبيئة اصبح يشعر بمثل ذلك الشعور!!
* * *
'قرر جاسم الذهاب الى الشاليه الخاص به، وكان ذلك في منتصف الاسبوع، وذلك للاشراف على بعض الاصلاحات التي طلب من نجاره الخاص اجراءها قبل ايامِ ما ان وصل الى هناك حتى علم من الحارس بأن النجار لم يصل بعد لعمل التعديلات المطلوبةِ فقرر ان يرمي بجسده وسط مياه البحر لعله يتخلص مما يعانيه من ارهاق ذهني وجسدي وجلس بعدها على رمال الشاطىء الباردة والناعمة، ولم يشعر بالوقت يمر من حوله بعد ان غمرته سكينة وهدوء غريبان وسرح بأفكاره، التي تنقلت من التفكير بمصير ابنته التي تود الذهاب الى القاهرة لدراسة الفنون الجميلة الى مصير علاقته بصديقته الجديدة، التي يود الاقتران بها قريبا والتي ابدت في المدة الاخيرة ترددا حيال ذلك الموضوع بعد ان احست بانه لم يكن جادا في عرضه الزواج منها، بعد فشله في التجربة الاولىِ واحس وهو مضطجع وسارح بأفكاره بان اغفاءة خفيفة سوف تتغلب عليه وتغزو جفونه وهو جالس، فأسلم عينيه للنوم بعد ان استلقى على ظهره وتمدد بكامل جسمه المتعب والعاري على رمال الشاطئ الجميلة.
لم يعلم كم مضى عليه من الوقت وهو مستلق بانتظار ذلك النجار اللعين، الذي طلب من الحارس ان يخبره بحضوره، ولكنه عندما استيقظ من اغفاءته تلك وجد العشرات من القباقب او الشريب والحيوانات البحرية الصغيرة الاخرى تلعب من حوله، وهي تدخل وتخرج من جحورها الرملية الصغيرة، التي حفرتها لنفسها على عجالةِ واحس بسعادة وسرور عجيبين وهو يراقبها تسرع الخطى هنا وهناك بدون هدف ثم تتباطأ وتسير مرة اخرى وتتوقف فجأة ثم تدخل الى الماء وكأنها تود ملامسة مياه البحر الباردة او ربما لتبلل اطراف قوائمها الصغيرة بالماء البارد في ذلك اليوم الحار، ثم تعود لليابسة مرة اخرى وتلتصق رؤوسها ببعضها البعض وكأنها تتخاطب بطريقتها الخاصة ومن دون ان يصدر منها اي صوت او ان تفتعل اية ضجةِ وهنا اكتشف بان فترة طويلة، ربما جاوزت العشرين سنة او اكثر، قد مرت عليه منذ ان رأى فيها مثل هذا المنظر الباعث على السكينة لآخر مرةِ فقد وضعت المدنية الحديثة حدا لكل هذه المناظر والمظاهر الجميلة للحياةِ وتذكر انه عادة ما يأتي الى الشاليه، كما هي عادة كل الملاك تقريبا، خلال عطلة الاسبوع، حيث يقضي وقته واصحابه او ابنته اما على رمال الشاطىء او في مياه البحر، ولكنه لا يتذكر انه قد رأى قط مثل هذا المنظر المسر للنفس والعين من قبل، ولم يشعر بمثل تلك الطمأنينة الطبيعية من حوله منذ ان اشترى ذلك الشاليه قبل اكثر من عقدين من الزمنِ واكتشف ان السبب يعود الى كل تلك الآلات اللعينة التي يلهو بها الكبار قبل الصغار على الشاطىء، وفي البحر، متسببة في تلوث البيئة وقتل كائناتها اللطيفة والصغيرة وسحق وتدمير حياة كل ما يدب على رمال الشاطىء من حيوانات بحرية بعد ان لوثت تلك الآلات رمال الشاطىء وجعلتها قذرة بعد ان خلطت بها زيوت المحركات والبنزين والمازوت وبقية قذارة الحضارة الحديثة.
احمد الصراف

الارشيف

Back to Top