'لقد أسمعت لو ناديت حيا

لا شك ان غالبية الموظفين العاملين في مختلف اجهزة الدولة هم من الصائمين وربما تكون غالبيتهم من الملتزمين دينيا ولكن على الرغم من ذلك فان من المؤكد ان النسبة التي تعرف المعنى الحقيقي للدين وللتدين وما هو مطلوب ومتوقع من المؤمن القيام به لا تتعدى نسبة ضئيلة من المجموع الكلي، وهي في تدهور مع مرور الزمن.
فنحن نجد مثلا ميلا كبيرا لزيارة اماكن العبادة في شهر رمضان، كما نلاحظ تمسك الكثيرين بالواجبات الدينية في هذا الشهر، ولكننا وفي الوقت نفسه نلاحظ في الجانب الاخر هبوطا كبيرا في الانتاجية، فالكل تقريبا يحضر الى مكتبه متأخرا في الصباح دون ان يؤنبه ضميره على ما قام ب'سرقته' من وقت محسوب عليه ومدفوع له عليه من مال عام.
ولا يتردد هذا الموظف الصائم التائب المصلي والمزكي نفسه، او تلك الموظفة الصائمة والمتدينة، من معاودة المخالفة في اليوم نفسه ومغادرة مكان العمل والعودة للبيت، احيانا قبل ساعة كاملة من انتهاء دوام العمل، دون وازع من ضمير أو خجل، وقد لاحظت هذه الأمور شخصيا، ومن خلال ثلاث زيارات قمت بها لمجمع الوزارات وقفت في احداها امام السلم الكهربائي المتحرك في المجمع وراقبت نوعية الحضور واجناسهم وجنسياتهم ولفترة نصف ساعة كاملة، وشاهدت العجب.
لقد بذلت الاحزاب الدينية جهدا عظيما وانفقت الكثير لتحول الدين الى مجرد مظاهر خارجية وطقوس تحرك ولبس وتصرف بعيدة عن الجوهر الحقيقي للانسان العصري 'المؤمن' بمفهومه الواسع الذي يبتعد عن المخالفة وسرقة مال الغير والتسبب في تعطيل مصالح المواطنين، ليس فقط من منطلق ان الدين ينهى عن ذلك، بل لانها امور سيئة في المطلق.
ولم تحاول يوما ان تؤكد على ان حدوث مثل هذه الامور وتكرار فعلها ضار بالمجتمع ككل في نهاية الامر وعلى المدى البعيد، بصرف النظر عن 'المنفعة' الشخصية والآنية المتمثلة بترك مكان العمل والذهاب مبكرا الى البيت للنوم استعدادا لسهر الليل.
اننا لم ننفك يوما من نعت المجتمع الغربي بشتى الاوصاف غير الحميدة واتهامهم، افرادا وجماعات، بالكفر والبعد عن الدين، ولكن من يقم باجراء اية مقارنة بين انضباطية وانتاجية موظف الحكومة العامل في الدوائر الحكومية في تلك المجتمعات 'المنحلة' وبين انتاجية زميله أو زميلته في مجتمعاتنا 'المؤمنة والخاشعة' يكتشف مدى سطحية تفكيرنا وسذاجة تصرفاتنا وقبل كل ذلك سخافة الكثير من 'عاداتنا وتقاليدنا'.
وقد تطرق دِ أحمد البغدادي في مقال له في السياسة (29/12) الى ملاحظة 'طريفة' لها علاقة بموضوع هذا المقال حيث ذكر ان ديوان الخدمة المدنية استثنى وزارة الاوقاف من موضوع شرط الاحلال حيث ان الوزارة بحاجة كبيرة الى 'تخصصات' ائمة مساجد ومؤذنين ولكن لا يوجد من بين الآلاف من خريجي المعاهد الدينية وكليات الشريعة الكويتيين، ونسبة كبيرة منهم بلا عمل، من يرغب في القيام بمثل هذه الوظائف اما مسألة التصدي لعملية 'تكويت' وظائف الامامة ورفع الاذان فتلك مسألة اخرى.
لقد اسمعت لو ناديت حيا
ولكن لا حياة لمن تنادي!!
احمد الصراف

الارشيف

Back to Top