الدكتور 'داهش

نسبة قليلة من اللبنانيين، وخاصة ممن تجاوزوا الخمسين، لم تسمع بالدكتور داهش، وكان من الممكن ان يكون اللبناني الاشهر، لولا تلك الحرب الاهلية وما رافقها من 'تعتير' اصاب الجميع.
اهتممت لفترة بتنبؤات وخوارق الاعمال التي قيلت عن دِداهش، ولكن لم يتسن لي قط، وايضا بسبب الحرب الاهلية اللبنانية، ان التقي به وأتعرف عليه عن كثب، بالرغم من محاولتي ذلك عن طريق بعض الاصحاب.
في زيارتي الاخيرة لنيويورك ومن خلال تصفحي لملحق النيويورك تايمز (9/8) الخاص بالفنون، قرأت تحقيقا كاملا عن 'متحف داهش'، مع سرد مقتضب لسيرة سالم موسى عشي، الساحر والمتنبي والفنان والكاتب اللبناني الغامض، والمشهور ب'داهش'!
يقول التحقيق ان الكاتب العشي ترك وراءه، عندما توفي سنة 1984 عن 75 عاما، ثروة من الاعمال الفنية اضافة الى كم هائل من الاساطير والقصص عن خوارق الاعمال التي قام بها في حياته من شفاء المصابين بالجذام والى اقتلاع روح طائر من منظر طبيعي، كما يعتقد المؤمنون به انه استطاع التنبؤ باكثر من 2500 امرا وكشفا روحيا (!!!) كما نجح اكثر من مرة في اعادة آنية كرستال والواح زجاج مكسورة الى ما كانت عليه، وتمكن من تحويل تذاكر يا نصيب خاسرة الى تذاكر رابحة، واستطاع -وهو صغير- خداع فرقة اعدام ايرانية عن طريق ارسال احد شخصياته الستة العلوية للوقوف امامها وتلقي الرصاص منها.
سمي المتحف باسم 'داهش' وهو الاسم الذي اختاره سالم موسى عشي لنفسه ويعني الشخص الذي يدهشك وتثير اعماله شديد اعجابك!! ويحاول مديرو المتحف، الذي افتتح قبل خمس سنوات جاهدين ابقاءه في مستوى اسم صاحبه.
وما يميز هذا المتحف عن غيره في نيويورك، اضافة الى امور اخرى، انه لا يتقاضى رسوم دخول!
ويكمن لب ثروة المتحف في مجموعة المقتنيات الشخصية التي سبق ان اقتناها الدكتور داهش شخصيا والتي تتكون من 2000 عمل فني تعود الى القرنين التاسع عشر والعشرين والتي قام برسمها تلامذة واساتذة تحت انظمة اشراف وتدريب قاسية في الاكاديميات الاوروبية المعروفة.
لقد اكتنف تأسيس المتحف الكثير من اللغط فيما يتعلق بسيرة صاحبه والشكوك التي تحوم حول خلفية مؤسسه غير التقليدية وشغفه الذاتي بالفن وروائعه والذي ترك المدرسة وهو في الحادية عشرة من العمر والذي يحاول ورثته ابعاد المتحف عن كل شيء يتعلق بسيرته الروحية السابقة، والاشارة له -ان تطلب الامر -ب'الفيلسوف'!!
ولم يكن من المستغرب ان تثير محاولات المشرفين على متحف داهش النأي بالمتحف عن سيرة صاحبه المثيرة للجدل سخط اتباع دِ داهش، الذين تقدرهم بعض المصادر بالآلاف.
توفي الدكتور داهش في مدينة غرينتش بولاية كوناتيكت عام 84، وتمكن عام 1975 وبمساعدة كاملة من عائلة زاهد السعودية ذات الجذور اللبنانية، من نقل 2000 لوحة من مقتنياته الفنية المهمة، التي لا يزال بعضها يحمل آثار طلقات الرصاص، الى الولايات المتحدة حيث قامت تلك العائلة في مرحلة لاحقة وبعد وفاة مورثها، بانشاء دار متخصصة لطباعة ونشر وتوزيع كتبه.
كما قامت بافتتاح 'متحف داهش' في مدينة نيويورك عام 1995 تخليدا لذكراه وتخصيص مبلغ كبير من المال في صورة اسهم وسندات للصرف منه على المتحف وللمشاركة في المزادات العالمية لشراء مقتنيات جديدة، وقد نما ذلك الوقف في فترة قصيرة واصبح رصيده مؤخرا يتجاوز 30 مليون دولار.
احمد الصراف

الارشيف

Back to Top