حقيقة دور 'العالم'

أعلنت مؤسسة الكويت للتقدم العلمي عن شروط الحصول على جوائزها في فروع العلوم الطبيعية والرياضية والحياتية، والعلوم الطبية من تشريح وصيدلة ووظائف الأعضاء والميكروبيلوجيا وعلم الأمراض، والأمراض الباطنية والنسائية والتوليد والأطفال والعيادة النفسية والعلاج بالأشعة والجراحة وطب الأسنان والعيون وعلم الأحياء المجهرية، والعلوم الاجتماعية والانسانية والادارية والاقتصادية.
وهناك، بطبيعة الحال، عشرات المجالات المهمة الأخرى التي لم تخصص لها المؤسسة جائزة لسبب أو لآخر، ولكن الهدف واضح يكمن في تكريم العالم الحقيقي ماديا ومعنويا.
وقد تزامن نشر هذا الاعلان مع موعد بدء فعاليات ندوة جمعية احياء التراث والخاصة بتوقير العلماء، حيث اصبح رجل الدين في نظر مثل هذه المؤسسات هو 'العالم' او الوحيد الذي يستحق لقب عالم، وبالتالي يجب توقيرهِ أما علماء الذرة والفيزياء والفضاء والتخدير والجراحة والرياضيات والهندسة فستأتي مرحلة توقيرهم في مرحلة لاحقة، وقد تكون مع بداية النصف الأول من القرن المقبل.
لا اعتقد ان هناك شعبا او امة تسببت، وبطريقة مباشرة، في تخلفها وتردي مستوى تفكيرها كأمة مثلما فعلنا نحن بأنفسنا.
فقد عملنا جاهدين وبدون كلل او ملل على خلق مؤسسة دينية عالية الصوت شديدة السطوة مرهوبة الجانب وقسمناها الى مراتب ودرجات واصبح لكل فرد فيها مهمة ومجال.
وخلقنا كهنوتا اسلاميا مميزا بدرجاته وطقوسه وألقابه، فهناك شيخ ومولى وفضيلة وسماحة وعطوفة وآية وسيادة وجناب وحجة، كما خلقنا تعبيرات تراوحت بين قدس الله سره وأدام فضله ووسع ظلهِ وشمل الأمر الملابس فأصبحت هناك أغطية خاصة للرأس وألوان مميزة وأقمشة محددةِ كما سرى الأمر على تقاطيع الوجه وأشكال و'قصات' اللحى واصبح شكل كل واحدة منها يدل على مذهب او درجة صاحبها!!
كان من الممكن تقبل هذه التعقيدات والطقوس والمظاهر الخارجية كلها، والسكوت عما يترتب على وجود مؤسسات دينية خرافية الحجم من كلفة مادية وبشرية مكلفة لو لم نعلن في كل يوم ومن على كل منبر، وأمام كل مايكروفون وعند كل منعطف، وفي مواجهة اي تجمع بأن الاسلام هو دين 'الفطرة'!
فهل تحتاج ممارسة الفطرة الى كل هذا الجيش من العلماء؟ ألا تعني الفطرة 'البديهية' والبساطة والتلقائية؟ أليس الشعور بالجوع فطرة؟ فهل احتجنا يوما الى جيش من رجال الدين كي يعلمونا كيف نسد غائلة الجوع وكيف نعرف الطريق لأفواهنا؟ أليس النوم فطرة؟ فهل يحتاج الأمر الى 'عالم' دين ليهدينا ويقول لنا إن علينا ان نغلق أعيننا ان اردنا الخلود للنوم؟
لقد حان الوقت لكي نفرق بين العالم ورجل الدين، وان يكون لرجال الدين بالذات الدور الأكبر في توضيح ذلك للعامة، والتنازل، ولو قليلا، عن تلك العلياء التي وضعناهم ووضعوا أنفسهم فيهاِ فالناس أحوج ما يكونون لرجل الدين الذي يشاركهم أتراحهم كما سبق ان شاركهم أفراحهمِ كما أنهم بأمس الحاجة لرجل الدين الذي يقوم بزيارة السجون والتعرف على مشاكل المساجين والعمل على حلها، والى الذي يقوم بزيارة المستشفيات للتعرف على مشاكل المرضى عن كثب ومساعدتهم اجتماعيا ونفسيا وزيارة الأسر المتعففة والعمل على مساعدتها ماديا.
أما ما يقوم به البعض من اكتفاء بالظهور على صفحات الصحف، والمشاركة في برامج تلفزيونية أو قبول عضوية مجلس شرعي، او ترؤس مختلف اللجان في مختلف المصارف والشركات الاسلامية وقبض مختلف انواع الحوافز والمكافآت في نهاية كل فترة مقابل الرد على مجموعة متكررة من الأسئلة بأجوبة عفا الدهر عليها، فهم آخر ما نحتاج إليه من رجال دين!.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top