خبراء التخريب

سقطت طائرة شركة 'البان امريكان' الرحلة 103 عام 1988 فوق قرية لوكيربي الاسكتلندية مخلفة 270 ضحية هم كل ركابها، اضافة الى عدد كبير من سكان القرية الذين سقطت الطائرة على منازلهم، وتبين من التحقيق ان سقوط الطائرة نجم عن انفجار متعمد في مخزن الحقائب، واتجهت اصابع الاتهام الى مجموعة من الجهات منها ايران وجماعة ابو نضال وليبياِ تشعب التحقيق كثيرا وتكلف مئات ملايين الدولارات، وشاركت فيه اجهزة حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وايطاليا ودول اخرى، وفجأة بدأت اصابع الاتهام تشير الى تورط اثنين من رجال مخابرات العقيد القذافي في العمليةِ وبناء عليه طالبت الحكومتان الاميركية والبريطانية السلطات الليبية بتسليم المتهمين لتتم محاكمتهما، ولكن ليبيا رفضت ذلك ونفت التهم الموجهة إليهماِ وبدأت الامم المتحدة بعدها، وبضغط شديد من دول ضحايا الحادث، بفرض سلسلة من العقوبات على ليبيا بغية الضغط عليها لتسليم المتهمين، وشمل ذلك ايقاف التعامل التجاري معها ومنع رحلات الطائرات العالمية من والى المدن الليبية، اضافة الى مجموعة اخرى من الاجراءات الاقتصادية التي تسببت في تعريض الاقتصاد الليبي الضعيف اصلا، لضغوط شديدة جعلت الدكتاتور الليبي يرضخ في نهاية الامر، ويقوم بتسليم المتهمين للسلطات الدولية ليحاكما في هولندا بموجب القوانين الاسكتلندية، وليحكم على احدهما بالسجن 15 عاما لدوره في الحادث، ويبرأ الثاني لعدم كفاية الادلة.
لم تعترف ليبيا بالحكم او بما سينتج عنه واستمرت في المكابرة والنكران، لكن الضغط السياسي والمقاطعة العالمية دفعها الى الرضوخ والاعتراف بمسؤوليتها عن الحادث والموافقة على تعويض اسر الضحايا.
وهكذا قامت ليبيا، او قام العقيد القذافي بصورة أدق، وبعد 15 عاما من النفي والانكار والمفاوضات والاستشارات القضائية المتعبة والمضنية والمكلفة جدا، ومئات آلاف صفحات المرافعات، وآلاف الجلسات والاجتماعات وخسارة الاقتصاد الليبي لما يزيد عن سبعة وعشرين مليار دولار اميركي، باعتراف أحد المسؤولين الليبيين، نتيجة فرق بيع البترول، بالاعتراف بالمسؤولية عن الحادث ودفع تعويضات نقدية تبلغ ألفين وسبعمائة مليون دولار اميركي (2700000000 دولار) نقدا لأسر ضحايا الحادث، اي بواقع عشرة ملايين دولار لكل اسرة! وهكذا ستبلغ قيمة الفاتورة التي سيتكلفها الشعب الليبي في نهاية الامر اكثر من 30 مليار دولار اميركي.
وهذا يثبت ان ما لدى البعض من حكام الدول العربية من تهور كاف لتخريب اي اقتصاد، مهما كانت قوتهِ كما يغني هذا التهور الدول الكبرى التي نعيش جميعا تحت هاجس تربصها بنا، عن نسج المؤامرات حولنا، فنحن كفلاء بتخريب كل شيء، ولا حاجة بالتالي الى الآخرين للتآمر علينا!
ملاحظة: يبلغ عدد سكان ليبيا قرابة الثلاثة ملايين نسمة، تعيش نسبة كبيرة منهم على الكفاف في الصحارى والقفارِ ويقارب انتاج ليبيا من البترول انتاج الكويت، وعلى الرغم من ذلك، ومنذ انقلاب الفاتح من سبتمبر المبارك في عام 1969، اي منذ خمسة وثلاثين عاما، من حكم العقيد القذافي، لم اسمع من احد قط او اقرأ خبرا عن أو التقي في الكويت، أو في مئات المدن الأخرى التي قمت بزيارتها طوال هذه الفترة، بثري ليبي واحد!
فأين ذهبت كل أموال البترول الليبي؟!
هذا لغز لم أستطع حله أبدا.

الارشيف

Back to Top