المداخلة التي كشفت الخواء القومي (1/2)

نقول في الكويت عن سمكة صغيرة تسمى 'العومة' انها 'مأكولة مذمومة'! اي اننا ندعي عدم ميلنا لها، ولكننا نقوم في الوقت نفسه بتناولها! وعلاقتنا ككويتيين مع قناة الجزيرة تشبه علاقتنا مع العومة، حيث نقوم جميعا بمهاجمة هذه القناة ونخون خطها وندين مقدمي برامجها، ولكن ما ان يشتد النقاش حولها حتى نكتشف فجأة ان نسبة عالية منا، تقوم بمشاهدة برامجها، خصوصا برنامجي 'الاتجاه المعاكس' و'الرأي الآخر'.
واعتقد، مخلصا، ان من عدم الادراك دفن الرؤوس في الرمال ومحاولة تجاهل وجود هذه القناة المثيرة للجدل، سواء في خطها او في نوعية برامجها، فهي قناة تشد الملايين لمشاهدتها، ومن الافضل بالتالي استغلالها والاستفادة من قوتها وانتشارها للدفاع عن قضايانا ومواقفنا ووجهات نظرنا، بدلا من تجاهلها، خصوصا ان الساحة اصبحت الان اكثر من ممهدة امامنا، بعد زوال قوى الدفع الصداميةِ وان لم نربح من تواجدنا فيها فلن نخسر اكثر مما خسرنا حتى الان في معركتنا الاعلامية ضد التخلف والجهل العربيين!
* * *
يتساءل الكثيرون عن الاسباب الكامنة وراء ذلك الحب المفقود او الهجوم المستمر الذي تشنه قناة الجزيرة، والى حد ما قناتا 'العربية' و'ابوظبي'، على مواقف الحكومة الكويتية وعلى تصرفات الكويتيين بشكل عام؟ وتفسير ذلك، من وجهة نظرنا، بسيط ومعقد في الوقت نفسهِِ فهذه القنوات انشئت لكي تبقى وتنجح، سياسيا واعلانياِ وعليها، لكي تبلغ هذا الهدف، اختيار المواضيع التي من الممكن ان تشد المشاهد، وتخلق في الوقت نفسه اكبر درجة من الجدال والنقاش حول برامجهاِ ولهذا لم تهتم هذه القنوات يوما بالحرب الاهلية في السودان بين المسلمين والمسيحيين والوثنيينِ ولم تعر قضية الرق في موريتانيا او مشاكل جزر القمر مع العواصف والرياح او صراع المهرة والحضارمة ضد قبائل الشمال في اليمن اي اهميةِ كما لا تعتقد هذه المحطات ان مشاكل البوليساريو مع الحكومة المغربية وصراع الاخيرة مع الجزائر واستعمار اسبانيا لمدن وجزر مغربية، يمكن ان تكون قضايا تشد المشاهد العربي، والمشرقي بالذات، وتثير غيرته وحميته ليقوم بالاتصال والمشاركة في النقاش وفي الاستفتاءات الغبية، وبالتالي تصبح قضية العلاقة العراقية ـ الكويتية، التي بدأت بغزو العراق، ذي الموارد والامكانات الهائلة، والذي يفتك الفقر والمرض والجهل بنسبة كبيرة من شعبه بسبب الدكتاتوريات التي توالت على حكمه منذ نصف قرن او يزيد، للكويت الصغيرة والغنية والمميزة ثقافيا وسياسيا والمبدعة فنيا والمستقرة امنيا، تصبح هذه العلاقة الموضوع الذي من الممكن ان يجذب المشاهد العربي، ويثير اهتمامه وحميته 'القومية'، وهو الاهتمام الذي بدأ مع بدء 'الحالة' الكويتية - العراقية، التي استمرت مع استمرار تعنت العراق ورفضه القرارات الدولية المتعلقة بالرقابة على اسلحة الدمار الشامل لديه، الامر الذي ادى إلى استمرار الحصار عليه والى قيام حرب الخليج الثالثة التي ادت الى تحرر العراق من حكم صدام ووقوعه تحت احتلال دول التحالف بقيادة اميركا.
خلاصة القول، إن موضوع الكويت مثير للجدلِِ فشعبها المرفه محسود، واستقراره مثير للغيرة، وما قام به من دور كبير في عملية التخلص من صدام، وازالة الكابوس المخيف الذي جثم على صدر اهلها وكان مصدر تهديد دائم لوجودها، لا يمكن تفهمه من قبل بقية الدول الاخرى خارج اطار تآمر دولة عربية مع قوى اجنبية على احتلال ارض عربية اخرى، وهذا هو المثير، وهو الذي يمكن استغلاله للنبش عن الدفين من الغرائز في النفس العربية المعذبة، وتسخيره اعلاميا لخدمة اغراض معينة!.
ِِ وللمقال بقية

الارشيف

Back to Top