كارثة دينية

'ِِ نعمل على المساهمة في تنمية المجتمع الكويتي كدولة لها دور فعال في المنطقة، كما ان رسالتنا هي المساهمة في الحفاظ على هوية المجتمع وتلاحمه وتحقيق التفاعل الايجابي والانتقائي مع حضارة العصرِ وبذلك فإن اداءنا ليس محليا بل يتفاعل مع البيئة العالمية وفق منهجية الاختيار والانتقاء الايجابي للحفاظ على هوية المجتمع، وذلك كله في اطار استراتيجي وفق عدد من القضايا التي تتعامل معها الوزارة (!!!)
(السيد عادل الفلاح، وكيل وزارة الاوقاف، القبس 28 فبراير)
* * *
تعتبر الكويت الدولة الاولى في العالم في عدد الاحزاب واللجان الدينية والمساجد، مقارنة بعدد السكان، كما ان دستورها وقوانينها ومناهجها الدراسية تؤكد أنها دولة تدين بالاسلام، كما تدار نسبة من جمعيات النفع العام فيها من قبل ملتزمين دينيين، ويسيطر المتشددون الدينيون على نسبة اكبر من وظائفها القيادية، ويشارك الآلاف من مواطنيها، في تدافع واضح، في كل ندوة دينية، كما تروج بينهم الكتب والنشرات والكتيبات الدينية، اضافة الى ما تخصصه مختلف صحفها ومجلاتها من صفحات كاملة للمواضيع والمسائل الفقهية والشرعيةِ كما ان للاذاعة والتلفزيون الرسميين فيها دورا اساسيا في نشر الثقافة الدينية، وتظهر نتائج مختلف انتخاباتها، الا ما ندر، مدى تمسك هذا الشعب برموزه الدينية، وهو الامر الذي يتمثل ايضا في حرص نسبة كبيرة منه على المشاركة في مسابقات حفظ القرآن وترتيله، وتكاد الكويت ان تكون الدولة الوحيدة في العالم التي يمكن ان يطلق على كافة مواطنيها لقب 'حاج' او حاجة بسبب العدد الهائل من مواطنيها الذين يحرصون على اداء هذا الفرض الدينيِ!
وعلى الرغم من كل مظاهر تدين هذا الشعب، الغارق في اداء الصلاة وايتاء الزكاة، فإن حكومته اعجز من ان تجد بينهم، على الرغم من عددهم الذي يكاد يبلغ المليون، من هو على استعداد لسد النقص الحالي الكبير في وظائف أئمة ومؤذني المساجد؟ وهذا ما صرح به وكيل وزارة الاوقاف ل'القبس' في 28/2 حيث ذكر ان من 'الاستحالة' اكرر كلمة 'الاستحالة' توفير ألف إمام مسجد وألف مؤذن كويتي!!.
استطيع ان افهم سبب لجوئنا إلى الخارج لشراء كل احتياجاتنا من الطعام والشراب والدواء والسيارات ومختلف العدد والادوات؟ كما افهم ايضا سبب استعانتنا بمختلف الخبرات البشرية الخارجية من مهندسين واستشاريين ماليين واطباء وغيرهم من اصحاب المهارات والخبرات النادرة، كما افهم كذلك الاسباب المادية والاجتماعية الكامنة وراء اضطرارنا للاستعانة بكل ذلك العدد الهائل من العمالة المنزلية والهامشية.
ولكن كيف يمكن ان نبرر، ولو للحظة، ان ليس بيننا من هو على استعداد للعمل كمؤذن او إمام مسجد، على الرغم من كل ذلك الخشوع والتدين اللذين يغلفان كلماتنا وتصرفاتنا في 'الطالع والنازل'؟ وما الخبرات التي تتطلبها وظيفة 'مؤذن مسجد' لا يستغرق عمله اكثر من نصف ساعة في اليوم يقوم فيها بتكرار قراءة أذان محدد خمس مرات في اليوم، بحيث تضطر وزارة أوقاف حكومة دولة الكويت للاعلان عن حاجتها إلى جلب مؤذنين من 'الخارج' للقيام بمهمة لا قبل لأهل البلد بها!!.
ان من حقنا ان نتساءل عن مصير عشرات آلاف خريجي المعاهد الدينية وكلية الشريعة في الكويت، فقط في السنوات العشر الاخيرة، وما يماثلهم في العدد من خريجي المدارس والمعاهد والكليات الدينية الذين ابتعثتهم وزارة التربية والجامعة لدراسة الامور الدينية في الاردن ومصر والسعودية وغيرها من البلاد العربية؟ واين كل شباب الصحوة الدينية ومرتادي واعضاء مختلف الجمعيات الدينية ومريدي وعشاق ندوات الدعاة الجدد؟ ولماذا لا يتقدم احدهم او جميعهم لسد هذا النقص؟ ولماذا تضطر الدولة لجلب غير الكويتي ليكسب، بدلا عن المواطن، الاجر الدنيوي والأخروي للإمامة ورفع الأذان؟.
ان عزوف عشرات آلاف المواطنين الاصحاء والاكفاء والمؤهلين للقيام بوظيفة امام مسجد او مؤذن انما يطرح كثيرا من التساؤلات بشأن المظاهر الدينية التي نراها من حولنا.
وبعد كل ذلك يأتي وكيل وزارة الاوقاف ليصرح بأن رسالة وزارته تكمن في المساهمة في حفظ هوية المجتمع وتلاحمه الايجابي مع حضارة العصر!! ولا ادري حقيقة عن اي حضارة يتكلم السيد الوكيل، والتي يعجز مجتمعها عن توفير ألف مؤذن وألف إمام من بين مواطنيها؟

الارشيف

Back to Top