إلى متى هذا التسيب؟

كتبنا قبل أيام عن قيام جهة غير معروف مدى قانونيتها بحملة دعائية مكلفة جدا بالنيابة عن بعض الأطراف للترويج لبعض الأفكار والاعتقادات والعادات التي تعتبر جزءا لصيقا من الحرية الشخصية، التي لا يجوز بالتالي التطرق لها اعلاميا بتلك الطريقة الفجة والا بررت بالتالي الرد عليها بالطريقة نفسهاِ فقد قامت تلك الجهة بتوزيع آلاف البوسترات والملصقات والاعلانات في الشوارع وبين طيات الصحف وتبين صورة شاب ملتح خفيف الشارب، ومنطق الاعلان يذكر ثلاث كلمات فقط 'لأني راقي بأخلاقي'، وهذا يعني انه راق بأخلاقه، ولهذا قام بتربية لحيته وحف شاربه!
بالرغم من ان المقال أثمر في احتجاج وتوقف جهة أو أكثر راعية للحملة عن تمويلها، فاننا فوجئنا قبل أيام باستمرارها، ولكن بطريقة أكثر غرابة حيث قامت هذه المرة بإصدار كتيب يحكي قصة تجربة فتاة مع الحجابِِ وعلى ظهر الكتيب وضعت صورة طفلة لا يتجاوز عمرها السنوات الست بكثير، وهي محجبة وأمامها جملة 'لأني راقية بأخلاقي'! والرسالة التي تحاول توصيلها أكثر من واضحة، فهي تقول إن ارتداء الحجاب من رقي الأخلاق! وبالتالي تنعدم الأخلاق بدونهِ أي اننا نحكم على الناس، بطريقة مباشرة وغير مباشرة، من خلال المظاهر الخارجية، فتصبح سيئة السمعة راقية متى ما تحجبت وتصبح الفاضلة عكس ذلك متى ما رفضت الحجاب.
ان هذا التعدي على حقوق الانسان، الذي سبق ان تطرقنا إليه في أكثر من مناسبة وعبر أكثر من مقال، قد اصبح ظاهرة منتشرة وخطيرة، فمحاولات غرس مثل هذه المفاهيم الدينية الحزبية ما كان يمكن ان تستمر وتتطور وتتفشى بتلك الطريقة الفجة لو كانت الجهات الحكومية المسؤولة على قدر كاف من الوعي بخطورة مثل هذه الممارسات، بحيث تقوم بوقفها ومخالفة الجهات التي تقف وراءها.
ان لبس الحجاب من عدمه، أو تربية اللحية أو حف الشارب، هي من الأمور اللصيقة بشخصية الانسان ولا يجب بالتالي ربطها بموضوع خلافي كالأخلاق! فما هو أخلاقي بنظري قد لا يكون كذلك في نظر الآخرينِ كما ان نشر هذه المفاهيم والترويج لها قد يدفعان الكثيرين لفرضه على أبنائهم رغما عنهم، وفي هذا تعد على أبسط حقوقهم.
***
ملاحظة:
شعرت بحزن شديد، وبالفشلة، عندما استلمت دعوة للمشاركة في 'مؤتمر المؤشرات الجغرافية الأول في المنطقة العربية'، الذي سيقام في أبوظبي بعد أيام.
مصدر الخجل، أو الفشلة، يكمن في ان الدعوة والمؤتمر تحت رعاية الشيخة لبنى القاسمي، وزيرة الاقتصاد والتخطيط في دولة الامارات العربية المتحدةِ لقد اصبحت المرأة وزيرة في الامارات، في الوقت الذي يعتبرها بعض 'النخبة المتخلفة' عندنا عورة، والجلوس معها في مجلس الأمة عارا ما بعده عار! لقد ذكرني هذا الوضع بمقولة: كل الجمال تعارك الا جمل 'غيده' بارك!

الارشيف

Back to Top