استبدال الدشداشة

توجد في اللغة الانكليزية كلمة tolerance، وعلى الرغم من أهميتها على صعيد العلاقات الانسانية، إلا اننا نفتقر إلى ترجمة دقيقة لها بحيث تعطي المعنى المقصود نفسه باللغة الانكليزيةِ ولو نظرنا إلى أنفسنا كأفراد وجماعات بتمعن لوجدنا شبه انعدام لفضيلة التسامح بين الغالبية منا، وربما يعود سبب ذلك، في جزء منه، لعدم وجود ترجمة واضحة للكلمة، أو ربما يكمن سبب عدم وجود الترجمة الدقيقة في انعدام المعنى الحقيقي لهذه الفضيلة بيننا!
باستعراض مجموعة الفضائل المعروفة كالحب والرحمة والتآلف والتسامح والصدق والكرم واللطف، نجد ان التسامح أكثرها أهمية وأكثرها صعوبة في الوقت نفسه من ناحية الالتزام والتطبيقِ فالتسامح ليس فضيلة فقط بل أسلوب حياةِ فالكثيرون منا يستصعبون قبول الآخر المختلف عنا مذهبيا أو دينيا كشركاء أو أصهار أو حتى مرافقين أو مجاورين لنا في السكنِ كما يصعب على الكثيرين منا تقبل تناول طعام الآخر أو حتى لمس ملابسهِ وحذرنا تراثنا الديني من الآخر ومن دخول معابده أو السماح له بدخول دور عبادتنا، ونتذكر هنا قصة ذلك المواطن البحريني الذي دخل مسجدا ليصلي فيه باحدى مناطق الكويت السكنية، وعندما اكتشف بقية المصلين اختلافه 'المذهبي' عنهم وجد نفسه في المستشفى.
كما يصعب علينا مغالبة الضحك على المواقف التي يتعرض لها المعاق ذهنيا، أو غير ذلك، على خشبة الحياة أو المسرح، ومن الصعب علينا التحلي بالصبر عندما نخاطب بطيئي الفهم، كما اننا عادة ما نشعر بانزعاج شديد لو اصطدم بنا شخص أعمى ولا نتردد في توجيه اللوم لهِ كما نكثر من اطلاق صفات الاعاقة على الآخرين دون انتباه أو تردد أو حتى تقدير لمشاعر الآخرين الذين يتصادف وجودهم بيننا، والذين ربما تكون لديهم تلك الاعاقاتِ فالأجير الذي يفشل مثلا في الاستدلال على أمر ما سرعان ما ننعته بصوت عال بالأعمى، ونصف الذي لم يسمع ما وجهنا له من كلام بالاطرش أو الاصمخ، ومن لا يفهم قلنا عنه أهبلِِ وهكذا.
وربما ليس من المستغرب ان الكثيرين منا يجدون انفسهم أكثر لطفا وتسامحا وتقبلا للآخر في السفرِ فالكويتي الذي يسافر للتجارة أو السياحة إلى دول شرق آسيا مثلا، والتي لها جالية عاملة كبيرة تعمل بيننا، هو غير الكويتي في الكويت! حيث نجده أكثر تهذيبا في مخاطبته لهم وأكثر تسامحا وتقبلا لهم، على الرغم من انهم في بلادهم ليسوا بالضرورة اكثر نظافة أو أحسن هنداما من مواطنيهم الذين يعيشون في الكويت.
وقد لاحظت على نفسي بأنني أصبح أكثر عدوانية مع الآخرين وأكثر عنفا في قيادة المركبة أو في التصرف في الأماكن العامة عندما أكون في بلدي، وخصوصا عندما أضع الغترة والعقال على رأسي وأبين للآخرين انني كويتي خليجي وعارف طريجي! وتبلغ العدوانية والتجبر والغطرسة الفارغة مداها عندما أجلس خلف مقود السيارة، حيث ينتابني شعور لا يمكن وصفه بملكية الطريق.
لهذا وابتداء من سبتمبر المقبل، مع عودتي من اجازة السفر، فإنني سأقوم باستبدال الدشداشة الكويتية بالملابس العادية من بنطلون وقميص وارتداء بدلة كاملة، عندما تسمح درجات الحرارة بذلكِ حيث اكتشفت من خلال تجربتي الشخصية انني اصبح بارتداء هذه الملابس اقل عدوانية مع الآخرين وأكثر ميلا للتسامح، وتقبلا لأخطاء الآخرين، وأدبا في مخاطبتهم! فهل من معترض؟

ملاحظة:
يبدو ان للصيف تأثيره الايجابي في العقولِ فعدد الردود والتعليقات التي استلمتها، هاتفيا أو على الانترنت، على فزورة 'اينشتاين' (التي نشرت أمس) كانت أكثر من المتوقع.
من المهم ان نذكر ان ليس في الأمر أي تلاعب في الألفاظِِ والحل عرفه شخص واحد فقط حتى الآن، والمسألة تعود للمنطق والذكاء وليس لأي أمر آخر.

الارشيف

Back to Top