إلى أصدقائي اللبنانيين

يمكن القول بكثير من التجرد ان كل صراعات اللبنانيين وحروبهم بين بعضهم أو حروب زعمائهم، منذ الاستقلال، أي منذ اكثر من ستين عاما، وحتى اليوم، كانت تتم تسويتها على قاعدة 'لا غالب ولا مغلوب'.
ولكن لبنان الوطن كان يدفع الثمن دائما من رخائه وسيادته وحريته وأمنه القومي، وكان يتم التعدي عليه بالتراضي الجماعي لشراء سكوت هذه الطائفة أو ولاء ذلك الزعيم او ارضاء ذاك المتنفذ السياسي ليستمر بقاء الاوضاع الفاسدة على ما هو عليه لصالح الجميع، ماديا!
وبالتالي يمكن القول ان لبنان الجديد، ايا كان الشكل الذي سينتهي إليه بعد ان تضع الحرب الاخيرة اوزارها، بحاجة ماسة لان يكون فيه، وللمرة الأولى في تاريخه، طرف منتصر وآخر منهزم! فقد سئم الناس سياسات التراضي والطبطبة على الظهر وتقبيل الخدود وشراء الذمم التي اتبعت منذ الاستقلال وحتى الامس القريب، والتي ادت الى الوضع المأساوي الذي يعيشه اللبنانيون الان، بدرجات متفاوتة، والذي لم يكن احد يتوقع حدوثه بكل هذا العنف، وبهذه الفترة القصيرة.
ان الفرصة السانحة الان لتطبيق سياسة طرف غالب وطرف مغلوب لم يتح مثلها قط في تاريخ لبنان الحديث، وربما لن تكون هناك فرصة اخرى مماثلة لها ابدا، وعدم اقتناصها الان سيؤدي الى تقسيم لبنان الصغير بحكم الواقع الى كانتونات اكثر صغرا ليعيش الجميع في بؤس الى الابد! ما نحاول قوله هنا ان لبنان بحاجة لان يتنفس ويرتاح من التعذيب والسلب والنهب والتخريب والقتل الذي تعرض ولا يزال يتعرض له منذ عقود طويلة على ايدي مواطنيه اللبنانيين كافةِ لبنان بحاجة لان يكون الطرف الغالب، وان يقبل اللبنانيون جميعا، مواطنين عاديين وساسة وحزبيين وقادة طوائف ورجال دين، مسيحيين ومسلمين ودروزا وغيرهم، وزعماء عشائر واقليات، بان يكونوا، للمرة الأولى، الطرف المغلوب والخاسر.
الفرصة الان سانحة بعد ان آوت عشرات قرى الجبل المارونية ومئات بيوت روم الاشرفية وغيرها من المدن الساحلية عائلات شيعية مهجرة ومشردةِ الفرصة الان سانحة لوحدة اللبنانيين وتلاحمهم بعد ان فتح سنة صيدا بيوتهم بالجملة لمشردي القرى الجنوبية من شيعة ودروز ومسيحيين.
الفرصة الان سانحة لكي يتوقف مسيحيو بتعبورة في الكورة او بكفيا المتن عن اعتبار اهالي الجنوب، ولأي طائفة انتموا، مجموعة من الغنم، بعد ان اثبت هؤلاء ان في امكانهم فعل ما عجز الكثيرون عن مجرد تصور حدوثه، ووقوفهم، وببسالة خارقة، امام اقوى آلة عسكرية في المنطقة، وهزيمتها في اكثر من معركة، حتى هذه الساعة، وهو الامر الذي عجزت عنه جيوش ثلاث دول عربية مجتمعة!
الفرصة سانحة الآن ليتحد لبنان الوطن للمرة الأولى في تاريخه ويصبح حقا وطنا 'للجميع' وليس مجازا.
الفرصة سانحة لان يتوقف الشيعي او السني عن اعتبار كل من يخالفهما الاعتقاد خارجا عن الملة لانه ذمي وعليه ان يكون دائما صاغرا!
الفرصة سانحة الان لكي يتوقف كل طرف عن اعتبار نفسه الفئة او الطائفة الاكثر فهما والاكثر تعليما والاكثر رقياِ فقد اثبت الجميع، قادة وافرادا، المرة تلو الاخرى، ومنذ احداث 1958 وحروب 1974-1990، بانهم كانوا يفتقدون كل هذه الفضائل، بعد ان شارك الجميع في تحطيم الجزء الذي يخصه من وطنه 'العزيز' بعد ان فرغ من تحطيم الجزء الذي يخص 'عدوه'، والامثلة اكثر من أن تعد أو تحصى!
ان لبنان الان، وابدا، بحاجة لان تقام الحواجز على طرقاته لجمع التبرعات لتراثه ومستشفياته وجامعاته، وليس لكي تذهب تلك التبرعات لبناء خنادق هذا الحزب او سلاح ذلك التنظيم.
ان لبنان بحاجة لان توزع الدولة ثرواتها وخدماتها لكل المناطق بالتساوي وان يكون الامن سائدا في كل اراضيه وان تتوقف طبقة سياسييه، وبضغط فعال من كل لبناني، عن اعتبار لبنان مزرعة لهم او لطائفتهم او لدينهم، الفرصة سانحة يا احباءنا فهل ستقتنصونها، ام تفضلون الاستمرار في صراعاتكم الطائفية الصغيرة والتافهة؟!
***
ملاحظة:
ان ما ذكرته اعلاه ينطبق على الكويت، بدرجة ما، بقدر ما ينطبق على لبنانِ وان لم يتعظ سياسيونا مما حدث في لبنان وله فان مصيرنا سوف لن يختلف كثيرا عما اصاب 'وطن الارز وفيروز وصنين'!

الارشيف

Back to Top