الجهادان

قامت 'جهة ما' بزرع مجموعة من اللوحات الجديدة على سواحل جزيرة 'كبر'، تحذر من شرور وآثام تناول المشروبات الروحيةِ وكان من الملاحظ تجشم تلك الجهة التكلفة والمشقة وكل ما يمثله ركوب البحر من مخاطر من اجل وضع لوحات دينية تهتم بصلاح الاخرين.
بعدها بيوم، اي السبت الماضي، ذهبت الى وزارة الطاقة على الدائري السادس لقضاء أمر فلاحظت ان 'جهة ما' قامت بتخصيص وسط المبنى كمصلى لموظفي الوزارة ومراجعيها ليكفيهم مشقة الخروج للصلاة في المسجد القريب.
بعدها بيوم (الاحد) قام صديق بالاتصال بي ليخبرني بان الكهرباء قد انقطعت بعد منتصف الليل بقليل عن المنطقة التي يسكن فيها، الامر الذي حول شقته الى فرن لا يطاق فاضطر للدوران بابنه المريض في الشوارع لاكثر من 3 ساعات ليوقف آلامه وبكاءه!
وصباح اليوم التالي (الاثنين) طالعتنا 'القبس' على صدر صفحتها الاول بأنباء انقطاع الكهرباء عن الفحيحيل وابرق خيطان والجهراء والعارضية والجليب والرقعي والعيون وجنوب السرة! والتأم في ظهر اليوم نفسه شمل خمس اسر مهجرة من لبنان في بيتنا بالجابرية لتناول طعام الغداء، وفاجأنا انقطاع الكهرباء عن البيت والمنطقة، وقد اختارت الوزارة وقت بلوغ درجة الحرارة اوجها لكي تقوم بقطع التيار!
* * *
التعليق على الاحداث أعلاه:
اولا: تعجبت كثيرا وشعرت بالغرابة لتصرف تلك 'الجهة الما' التي قامت بوضع اللوحات التي تحذر مرتادي الجزيرة من تناول الممنوعات! فقد كان حريا بها قبل مطالبة مرتادي الجزيرة بالمحافظة عليها نظيفة من مختلف انواع المخلفات التي يتركونها عادة خلفهم بما في ذلك الزجاج المكسور وبواقي الاكل واكياس البلاستيك! فالدنيا مهمة كما الاخرة، وصحتنا من صحة بيئتناِ ولكن من يود ان يعرف ذلك؟
ثانيا: لا حق لنا بالطبع في الاعتراض على قيام عدد كبير من موظفي وزارة الطاقة بالصلاة في مكان لم يصمم لهذا الغرض اصلاِ ولكن من حقنا التساؤل عن صحة صلاة وخشوع وتوبة البعض من هؤلاء المصلين وبينهم، ان لم يكن كلهم تقريبا، من هو على علم تام، وربما يكونون من المشاركين، في مأساة، او جريمة، انقطاع التيار الكهربائي، وفي اكثر اشهر السنة حرارة وفي اكثر اوقات النهار التهابا، عن آلاف الاسر والبيوت والمصانع والشركات والورش وفي دولة يزيد دخلها السنوي على 46 مليار دولار، ولا يزيد عدد مواطنيها على مليون نسمة!
أليس من المخجل ان لا يمتلك اي من آلاف موظفي الوزارة، السابقين والحاليين، الجرأة على قول الحق، ولو على نفسه، ويفجر القربة ويخبرنا عن المتسبب في جريمة استمرار مسلسل قطع التيار الكهربائي؟!
من الجميل ان نؤدي واجباتنا الدينية ولكن من الجميل ايضا ان نؤدي عملنا بأمانة.
ثالثا: من الواضح ان اهتمام نواب المناطق التي استمر انقطاع التيار الكهربائي عنها منصب على الغاء فواتير الكهرباء اكثر من اهتمامهم بأسباب انقطاع التيار الكهربائي عن منازل ناخبيهمِ فالنقدي اهم من الرفاهية والراحة والصحة! أليس كذلك؟
رابعا: وزير يأتي واخر يذهب بعد ان خلف الاخير من سبقهِِ وهكذاِِ وتبقى المشكلة تراوح مكانها! وعليه فمن المؤكد اننا انهزمنا وسننهزم في كل معاركنا وحروبنا المدنية منها والعسكرية، شارك فيها حزب الله ام لم يشارك، ان بقيت اوضاعنا على ما هي عليه دون تغييرِ فتداعيات هزائم الجهاد الاكبر، اي معارك الحياة، اكبر بكثير من تداعيات هزائم الجهاد الاصغر، اي المعارك العسكرية!
* * *
ملاحظتان:
لا تزال وزارة الطاقة تصر على نشر اعلانات سخيفة وباردة تطالب المواطنين والمقيمين بالتوفير في استهلاك الطاقة!
ولا ادري لماذا لا تقوم الوزارة بتوفير جهودها واموالها وتركز على ما هو اهم بكثير من ذلك واكثر فعالية بمراحل من نشر اعلانات لا يقرأها احد، الا وهو الاهتمام بتحصيل ثمن فواتير الكهرباء المستحقة على الكثيرين منذ عشرين عاما تقريبا واصلاح عدادات الماء والكهرباء وخصخصة قطاع التحصيل!
ان غالبية المستهلكين، فقراء او اغنياء، لا يمكن ان يتجاوبوا مع نداءات التوفير في استهلاك الماء والكهرباء ما لم تخاطبهم الوزارة من خلال محافظهم وجيوبهم!
* * *
قد تكون هذه المرة الاولى التي يقوم فيها مجلس الوزراء بتشكيل لجنة 'محايدة' من خارج طاقم وزارة الطاقة للتحقيق في ملابسات 'مهزلة او فضيحة' استمرار انقطاع التيار الكهربائي عن مختلف مناطق الكويتِ ولو كنت مكان وزير الطاقة لما ترددت في الاستقالة من منصبي!

الارشيف

Back to Top