حسن الصباح

من قرأ رواية سمرقند الرائعة لأمين معلوف، لربما سحره الجزء الذي تطرق فيه لدولة حسن الصباح أو الحشاشين! والحشاشون هم جماعة إسماعيلية نزارية، انشقوا عن الدولة الفاطمية. وقد أنشأ الصباح دولته في قلعة آلموت الحصينة في إقليم ديلم بفارس، والذي ربما رحل منه الشاعر مهيار الديلمي في القرن الخامس إلى بغداد، وهو صاحب القصيدة التي كانت تدرّس لنا في المتوسطة، ولا أستغرب إن توقفوا عن تدريسها الآن، والتي يقول فيها:

«لا تخَالِي نَسَباً يَخفِضنِي ** أَنَا مَن يُرضِيكَ عِندَ النَّسَبِ

قَومي استَوَلوا عَلى الدهر فتىً ** وَمَشُوا فَوق رؤوسِ الحُقَبِ

عَمَّمُوا بالشَّمسِ هَامَاتَهُمُ ** وَبَنَوا أبياتَهُم بالشَّهَبِ

وَأبِي كسرَى عَلَى إِيوَانِهِ ** أَينَ فِي النَّاسِ أَبٌ مثلَ أبِي

سُورةُ المُلك القُدَامَى وَعَلى ** شَرَفِ الإِسلامِ لِي وَالأدَبِ

قَد قبستُ المَجدَ مِن خَيرِ أبٍ ** وقبستُ الدِّين مِن خَيرِ نَبِي

وَضَمَمْتُ الفخرَ مِن أطرافِهِ ** سُؤدَد الفُرس وَدِين العَرَبِ».

استمر حكم حسن الصباح 35 عاما، لم يغادر فيها القلعة ابدا، واستمرت دولته في ذريته سنوات طويلة بعدها، قبل ان يقضي عليها المغول. وقد اشتهر مساعدوه بالحشاشين، لأن زعيمهم كان يوفر لهم معيشة خيالية في القلعة، ومن ثم يطلقهم للقيام بعمليات الاغتيال لأعداء الطائفة والدين! ولكن كلمة «حشاشين» دخلت القاموس الإنكليزي، وقواميس أوروبية أخرى على أساس (assassin) أي الذين يقومون بعمليات الاغتيال لأهداف سياسية، وليس لأنهم حشاشون! ويتهم الإسماعيليون خصومهم بتلفيق تهمة التحشيش عليهم!
ولو تركنا الحشاشين، ونظرنا إلى واقع الجماعات الدينية عندنا اليوم، لوجدنا غالبيتها تأتمر بأمر شخص محدد، يكون عادة مرشدا أعلى، أو مفتيا كبيرا، كما هي الحال في إيرانـ ولدى الإخوان المسلمين، وأتباع شيوخ السلف. وبعكس ما كان يحدث مع حشاشي حسن الصباح، وفي الجيوش، فإن ما يصدر اليوم عن المرشد الأعلى، أو العام، ينفذ باقتناع من قبل الاتباع الذين سلموا عقولهم للمرشد برضا تام، وآمنوا بأن ما يقوله هو الصواب، وهذا يعني إلغاء العقل والمنطق والتفكير، وبالتالي فإن دولة الإخوان لا تختلف عن دولة حسن الصباح، مع الفارق أن أتباع الإخوان، والمؤمنين بصحة كلام المرشد، بينهم متعلمون، فكيف فقد هؤلاء كل قدرة على التمييز والتفكير السليم؟ وكيف يمكن أن يعطي الملايين أصواتهم، في انتخابات «سابقة» لشخص مثل حازم ابو اسماعيل؟ وهو الذي وقع في أخطاء مهلكة ومضحكة، عندما كان شيخ دين يفتي في القنوات، ويرتدي المضحك من الملابس، وينتقل من الجبة واللباس الأزهري إلى البدلة وربطة العنق؟ وكيف قبل هؤلاء بإمكانية تسليم مصير دولة، وهو الذي لم يكن صادقا في تصريحاته ولا بيانات ترشيحه؟ هل اصاب الخدر العقل العربي المسلم، بحيث اصبح غير قادر على التفكير والتدبير؟ ولماذا اصر الناخب الكويتي على اختيار كل هذه النوعية السيئة من النواب المرة تلو الأخرى، على مدى نصف قرن من دون أن يشعر يوما بأن في الأمر خطأ ما؟
أين أنت يا حسن الصباح، لتفسر لنا ما يجري؟
* * *
• ملاحظة: سبق أن ذكرنا أن كريسماس xmas تتكون في الإنكليزية من كلمتين x وهي اختصار قديم لاسم المسيح christ وmas وتعني ميلاد، وانها كلمة هيروغلوفيه! وقد نبهنا الصديق فيصل الغيص، السفير السابق، إلى أن xmas كانت في الأصل xmass واختصرت إلى mas وأصلها يعني قداس، وتفهم الكلمتان مجازا على أنهما تعنيان «ميلاد المسيح».

الارشيف

Back to Top