المريض و'البدون' والافريقي

تمتلأ صحافتنا، بشكل يومي، ومنذ سنوات، بالعديد من النداءات الصادرة عن مرضى معذبين او عن ابائهم وامهاتهم تناشد المسؤولين واصحاب القلوب 'الرحيمة' التدخل لمساعدة هؤلاء او اعانة اسرهم ماديا اثناء تلقيهم العلاج في المستشفيات، بسبب انقطاع الدخل عنهم.
كما تطالعنا الصحف باستمرار بصور تبين ظروف معيشة بائسة تعيشها مئات الاسر في الكويت من دون مياه جارية او فرش او تدفئة او تكييف وفي بيوت صفيح لا تصلح حتى للماشية.
ولو عدنا للاغراض التي تأسست من اجلها 'جمعية اعانة المرضى' لوجدنا على رأسها مساعدة هؤلاء المحتاجين وتقديم العون المادي والمعنوي لأسرهم ولو نجحت هذه الجمعية وغيرها من الجمعيات التي ازعجتنا بالكلام عن منجزاتها الخيرية في القيام، ولو بجزء مما تدعي القيام به في مجال مساعدة الاخرين، لما امتلأت الصحافة بمثل هذه النداءات المؤسفة في بلد فيه 125 جمعية تدعي عمل الخير. ولكن منذ متى كانت مساعدة عائلات وافراد بائسين هدفا لأي جمعية؟!
ولكن جميعة اعانة المرضى، وغيرها، مشغولة عن هؤلاء بالعمل خارج الكويت بعد ان وجدت ان من الاجدى والانفع لمسؤوليها تحويل جزء كبير من انشطتها 'الخيرية' الى الخارج. وهكذا نمت فروع هذه الجمعيات في الخارج مع زيادة ارصدتها المالية بغير حساب!
والسؤال الذي يطرح نفسه طرحا هنا: لماذا اختارت جمعية متواضعة وبسيطة الاهداف نقل انشطتها الى الخارج، ومئات الحالات المعسرة تنتظرها في مختلف المستشفيات الحكومية والخاصة؟
الجواب بسيط: العمل المحلي واضح ومحدد، ويمكن اثبات القيام به من عدمه. كما انه لا يتضمن اي بهرجة او استقبالات في المطارات وتوزيع اوسمة وصور في الصحف الاجنبية ومقابلات وسجاد احمر وورد يطوق الاعناق. كما ان العمل الخيري الخارجي لا يعرف احد كيف يتم، وبأي تكلفة، ومن يستفيد من الاموال التي يتم تحويلها لتمويل هذا المشروع الوهمي او ذلك البيت الكرتوني. خاصة ان وزارة الشؤون لم تسأل يوما هذه الجمعية عن سبب نقل جزء كبير من انشطتها الى الخارج، وعما اذا كانت قد انتهت من تلبية نداءات جميع المحتاجين من المرضى واسرهم في الكويت!
ولو عدنا الى قارة أفريقيا، فان السؤال نفسه يطرح نفسه طرحا: لماذا افريقيا، والكويت فيها مائة الف 'بدون' في حاجة للعمل والعلاج والملابس والطعام والتعليم والبيت والدفء والامان، ناهيك عن بقية الخلق المعدمين؟
والجواب سهل وواضح: فمساعدة هؤلاء ليس فيها شنة ولا رنة ولا بساط احمر ولا لقاءات برؤساء دول ولا اوسمة ولا استقبالات ولا تصوير واعلام ومقابلات تلفزيونية وصحفية واشادة وتكريم. والأهم من ذلك ان مساعدة 'البدون' واضحة المعالم والخطوط ويمكن محاسبة الجمعية عليها ومعرفة مدى صدق او كذب ادعاءاتها! اما نقل المساعدات وتوزيعها في افريقيا وغيرها فانه يشبه سكب ماء بارد على رمل حار، فالماء سيختفي في ثوان، ولن يكون هناك من يسأل عن مصير مئات ملايين الدولارات التي ذهبت الى افريقيا وغيرها من الدول الاخرى.
ولو سألنا عن سبب اختيار افريقيا واطفالها لمساعدتهم لقيل لنا لأن فيها ملايين الاطفال، من مسلمين وغيرهم، من المعدمين المحتاجين للمأكل والمشرب والمدارس والمعاهد والملابس والبيوت والجامعات و.. كل شيء آخر تقريبا! ولكن لو نظر مسؤولو هذه الجمعيات الى الساحة الخلفية من الكويت، نحو بيت صفيح الكويت وشبرات واكواخ بعض مناطق الجهراء حيث يقطن عشرات آلاف الفقراء والمعدمين من غير محددي الجنسية.. وغيرهم الكثير لشاهدوا كذلك اطفالا فقراء وعراة بحاجة للعلاج والتعليم.. وهم فوق ذلك.. عرب ومسلمون، ولكن بلا كرامة او مستقبل أو امل! الا يتفق معي مسؤولو الجمعيات الذين شيدوا لأنفسهم عمارة تبلغ مساحتها عشرة آلاف متر في اغلى منطقة تجارية في الكويت، على أن فقراء الكويت ومعدميها أكثر قربا واستحقاقا للمساعدة من بقية أهل الأرض اجمعين؟! ولكن اللعنة على البهرجة السياسية والظهور الاعلامي.
ملاحظة: يحق لجامعي التبرعات بموجب نص ديني الاحتفاظ بنسبة كبيرة جدا من اموال التبرعات لأنفسهم! هل قام جميع رؤساء واعضاء مجالس ادارات هذه الجمعيات، وعددهم يقارب الالف شخص، بأخذ انصبتهم من اجمالي اموال التبرعات التي يقال انها تجاوزت 5 مليارات دولار؟!
نريد من الذين تعففوا عن أخذ حقوقهم الشرعية من هذه الاموال، التكرم بالكتابة الينا ليكونوا قدوة للآخرين. وفي حال عدم ورود أي شيء من أي طرف فاننا سنعتبر ان جميع هؤلاء يمدون أيديهم لأموال الخيرات ليأخذوا منها ما لا يقل عن 55 في المائة من اجمالي قيمتها!!

الارشيف

Back to Top