أندرسون والبغلي والأقباط كلام الناس

شاهد رجل امرأة كبيرة في السن وقد تعطلت بها سيارتها الأنيقة على جانب الطريق، وكان اليوم يشرف علي نهايته، وتبين له أنها بحاجة للمساعدة. أوقف سيارته المتهالكة أمام سيارتها وتقدم منها، ولكن ابتسامته لم تتغلب على خشيتها منه، فقد كانت إمارات الفقر والجوع بادية عليه. لاحظ الرجل خوفها منه وارتباكها فقال لها بلطف: أنا هنا لمساعدتك. ابقي في دفء سيارتك، فالجو بارد وسأصلح لك الإطار المعطوب، بالمناسبة اسمي «بريان أندرسون».
استلقى بريان على الأرض الباردة تحت السيارة للبحث عن مكان وضع الرافعة، وعندما وجدها شعر بأنه غير قادر على الحركة فقد كان يومه شاقاً، ولكن بعد جهد كبير تمكن من تغيير الإطار وإمارات التعب بادية عليه ويداه متسختان بشكل واضح.
شكرته السيدة بحرارة على مساعدته العظيمة لها وعرفته بنفسها، وقالت إن لولاه لما عرفت ما كان سيصيبها في تلك المنطقة شبه المهجورة، وفي تلك الساعة المتأخرة، رد بريان عليها باقتضاب وهو يغلق غطاء حقيبة السيارة، متمنياً لها سفراً سعيداً، فسألته السيدة عما يطلبه مقابل ما قام به، وانها على استعداد لدفع ما يطلب، فقال لها: عندما عرضت مساعدتك لم أفكر في أي مقابل، بل وجدت أن هناك من هو بحاجة إلي، ولم يكن بامكاني التفكير بأي طريقة أخرى. وإزاء اصرارها قال بريان: اذا كنت حقاً تتمنين فعل ذلك فما عليك سوى عدم التردد في المرة القادمة من مد يد المساعدة لمن ترين أنه بحاجة لها.
بعد عدة أميال من ذلك المكان توقفت السيدة عند مقهى لتناول وجبة خفيفة قبل مواصلة طريقها لمدينتها. فوجئت ببساطة المقهى وتهالك أثاثه المتقادم واضاءته المعتمة، ولكن ابتسامة النادلة خففت كثيراً من عدم اطمئنانها للمكان ومن فيه. لاحظت السيدة ان النادلة تعمل بنشاط مع أنها تبدو حاملاً في شهرها الأخير، وأنها تقوم بعملها والابتسامة لا تفارق وجهها، بالرغم من إمارات الجهد والفقر البادية عليها، وتساءلت بينها وبين نفسها كيف يمكن لمن لا يملك الكثير أن يعطي بكل هذا السخاء خدمة وتميزاً وابتسامة.. وهنا تذكرت «بريان اندرسون»!
بعد أن أنهت السيدة تناول وجبتها أعطت النادلة ورقة من فئة المائة دولار، فغادرت هذه لتحضر الفرق من المكتب الخلفي وعندما عادت لم تجد للسيدة أثراً، واعتقدت أنها ربما ذهبت لقضاء حاجة ولكنها فوجئت بوجود قصاصة ورق حيث كانت تجلس السيدة مدون عليها العبارات التالية، والتي قرأتها والدموع تملأ مآقيها: أنت لست مدينة لي بالفرق يا عزيزتي، فقد مررت بالتجربة نفسها قبل ساعات، عندما ساعدني شخص من دون مقابل، كما أقوم بتقديم المساعدة لك الآن. أتمنى ألا تكسري سلسلة الحب هذه، وتستمري في عطائك! ووجدت النادلة تحت القصاصة مبلغ أربعمائة دولار.
أكملت النادلة عملها وأنهت ما هو مطلوب منها وعندما عادت ذلك المساء إلى بيتها وجلست في سريرها مستذكرة ما مر بها، وكلمات تلك السيدة وكيف عرفت مدى حاجتها وأسرتها لذلك المبلغ، وخاصة أن الأمور ستكون أكثر صعوبة مع قدوم المولود الجديد، وكانت تعرف مدى قلق زوجها من المستقبل والمسؤولية الكبيرة التي عليه حملها في القادم من الأيام، وهنا استدارت نحوه وقبلته بلطف وقال بصوت خافت «أنا أحبك يا بريان أندرسون»!
أسرد هذه القصة المترجمة بتصرف من رسالة انترنت بمناسبة المقال الذي سبقني الزميل علي البغلي إلى كتابته قبل يومين عن الموقف المشرف لصاحب السمو الأمير والحكومة من الكنيسة القبطية، وكيف توفر لرعاة الكنيسة الموقع الجديد المقر المؤقت، بعد هدم مبناهم السابق.
وتمنى الزميل في نهاية مقاله على الحكومة التبرع بمبلغ من المال الذي تعوزه الكنيسة لاكمال مبناها(!!) وهنا اعتقد ان الحكومة ما قصرت، وتقديمها المال اللازم سوف يكون بلا شك محل ترحيب من «الإنسانيين» جميعاً، ولكن ما سيكون له الأثر الأكبر محلياً وعالمياً، ليس الدفع الحكومي، بل أن نقوم، كأفراد احرار ومتسامحين، بأخذ زمام المبادرة والمشاركة في تقديم يد المساعدة المالية للكنيسة. وبالرغم من كبر خسائري في البورصة فانني على استعداد لأن أكون أول المتبرعين. وهنا أدعو «جمعية حقوق الإنسان»، أو أي جمعية أهلية حرة أخرى إلى أخذ زمام المبادرة في هذا الشأن والتصدي لعملية الجمع!!
* * *

ملاحظة:
تقيم الفنانة سكينة الكوت معرضاً لرسوماتها في لبنان اليوم ويستمر حتى 28 اكتوبر، تحت عنوان «لبنان بعيون كويتية». وسيفتتح وزير الإعلام اللبناني المعرض بحضور سفير الكويت.

الارشيف

Back to Top