مجوس إيران وملالي طهران

في كل عيد ميلاد تُحكى قصة ولادة المسيح بتفاصيلها، ومنها حادثة زيارة ملوك المجوس الثلاثة، الذين أتوا من الشرق، ليشهدوا ميلاد السيد. وطالما ألهبت هذه الزيارة بتفاصيلها مخيلة الكثيرين، ونالت عظيم اهتمام الباحثين، وكانت مدخل المجوس لقلب المسيحية من أوسع الأبواب.
والمجوسية، أو الزرادوشتية، هي من أقدم ديانات العالم، ويعتبرهم جل رجال الدين المسلمين من أهل الكتاب الذين أشار اليهم القرآن (اضافة للمسيحيين واليهود وربما الصابئة)، وكانت ايران تدين بالزرادوشتية قبل اتخاذ غالبيتها الاسلام دينا. وللمجوس آلهة خير وعددهم 12(!!) وكذلك عدة آلهة شر. ولا يزال يعيش المجوس في ايران على الرغم من محاربة كل الأنظمة لهم. وسبق أن هاجر جزء منهم الى الهند قبل 1000عام ويعرفون هناك بــ«بارسي» parsi، نسبة لفارس، ومنهم الملياردير تاتا. ويحترم المجوس النار والشمس لرمزيتهما، والنار لا تنطفئ في معابدهم، ولكنهم لا يعبدونها، كما يشاع عنهم، بل يعبدون الاله «أهورامزدا». وتقول بعض المصادر عنهم (كتاب هالة الناشف 1972) ان سلمان الفارسي كان مجوسيا، قبل تحوله للمسيحية ثم الاسلام. وأن المجوس كانوا يتواجدون في البحرين، كما تواجدوا في العراق ومناطق كثيرة أخرى.
ويقف رجال الدين المسلمون من المجوسية موقفا شديد السلبية يفوق موقفهم من البوذية أو الهندوسية، ولغير سبب مفهوم. وعلىالرغم من كل هذا العداء فان المجوس اليوم قوم شديدو الاحترام لغيرهم وهم مسالمون لا يؤذون أحدا، رغم قوتهم المعنوية والمادية، كما أنهم محل ثقة واحترام لكل من تعامل معهم.
نقول ذلك بمناسبة رسالة الكترونية وردتني من صديق بعنوان: «الجهل والتخلف المجوسي»، وعند فتح الرابط وجدت خطبة لرجل دين شيعي ايراني يتحدث فيها عن معجزة حدثت في طائرة تعرضت لخلل كبير ولكن تم انقاذها، أو اصلاح الخلل فيها، بالدعاء(!)، وبحثت عن الصلة بين عنوان الرسالة ومضمونها فلم أجد، وهنا انتبهت الى أن الكثيرين يميلون لربط النظام الديني في ايران بالمجوس وديانتهم رغم أن هؤلاء، كغيرهم من الأقليات، هم الآن من ضحايا نظام الملالي في طهران، كما أن الصفة لا علاقة لها بالموضوع. ووصف النظام الايراني بأنه مجوسي أمر مضحك وبعيد عن الحقيقة، على الأقل من الناحية الدينية البحتة وطريقة المعيشة والعادات والتقاليد، وبالتالي لا يتضمن اهانة محددة، هذا على افتراض أن من قام بوصفهم بالمجوس يقصد الاساءة لهم، علما بأن للمجوس دورا كبيرا في بناء حضارة فارس القديمة والعريقة، ووصف الشعوب الايرانية اليوم بالمجوس يشبه وصف المصريين بالفراعنة. فهل النظر لما قدمه الفراعنة للحضارة المصرية ما يسيء لمصريي اليوم؟ قد يكون الجواب بــ«نعم» عند المنتمين الى حضارة الرمال!!

الارشيف

Back to Top