ذكريات ومساجد وصلوات

تعرضت في حياتي لموقفين شبه محرجين، آخرهما كان قبل 34 عاما، عندما طلب مني أحد الإخوة في لجنة «إعانة المواطنين في الرياض»، إبان الغزو الصدامي للكويت، أن أصلي بهم إماما، وكانوا جميعا من السنّة! اعتذرت، ففُهم رفضي بطريقة خاطئة، فتقدم لي كبير المتطوعين في اللجنة وذكر كلاما لا يزال عالقا بذاكرتي: يا أبو طارق أنت كبيرنا ورئيسنا، والبلد ضاعت وأصبحنا جميعا سواسية، لا فرق بين شيعي وسني، ونريدك اليوم إماماً. كررت اعتذاري عن القيام بالمهمة، وانتهى الأمر بقيام شخص آخر بالإمامة!

بعد التحرير تورط ذلك الشخص في قضية مخلة بالأمانة، وكان من الإخوان، وغاب عن المشهد!

تذكرت تلك الواقعة وأنا أقرأ خبر قيام «إمام جمعة» في مدينة طهران ، بالتصرف في قطعة أرض ضخمة يصل سعرها للمليارات، سبق أن وضعت تحت تصرفه لبناء مركز ثقافي وحوزة علمية، فقام بنقلها لاسمه، ودافع عن موقفه بأن أشخاصاً قاموا بتزوير توقيعه وتسجيل الأرض باسمه!

ذكرتني تلك الحادثة بأخرى مماثلة قام بها مسؤول حكومي كبير، ومن عظام رقبة حزب الإخوان المسلمين في الكويت، بنقل ملكية قطعة أرض كبيرة، منحتها حكومة اذربيجان لجمعيته لبناء مركز إسلامي عليها، فقام بتسجيلها باسمه والتصرف بها، فانكشف أمره، لغبائه، وعزل من منصبه وصدر حكم بسجنه!

كما تذكرت شكاوى بعض زائري طهران من عدم وجود مساجد لأهل السنة فيها، وهذا غير دقيق، فعددها قليل جدا، وظاهرة قلة المساجد موجودة في كل الدول الإسلامية تقريبا، وحدها الدول الخليجية تتسابق حكوماتها مع الأهالي في بنائها.

لا يعطي الشيعي الصلاة في المساجد نفس أهمية السني، لسببين، أولا لكون مواقيت أدائها مرنة، وبالتالي يصعب اتفاق المصلين والإمام على التواجد في ساعة محددة. كما أن الغالبية لا تقبل الصلاة وراء أي إمام كان، بل يجب توفر صفات محددة فيه.

مع وصول الخميني للسلطة، وكونه وكيل الإمام الغائب، فقد أعاد لصلاة الجمعة أهميتها التاريخية، وأصبحت تقام في كل المدن الكبرى، وتشرف عليها «منظمة صلاة الجمعة»، التي تتبع المرشد الأعلى، ومن هنا يكتسب أئمة الجمعة قوتهم وأهميتهم.

من جانب آخر، تعتبر «منظمة الأوقاف الخيرية»، التي يتولى إدارتها حجة الإسلام مهدي خاموشي، المعين من المرشد، من أكثر المنظمات الخيرية ثراء في إيران، حيث تسيطر على عشرات آلاف الأراضي والعقارات والأملاك، التي يقوم أصحابها بوضعها تحت تصرف المنظمة لأهداف خيرية. وحسب القوانين الإيرانية، يجب على المنظمة أن تعيّن مشرفاً على أملاكها، وغالبا يكون رجل دين. ويُسمح لهؤلاء بالتصرف في الأملاك كيفما شاؤوا، فهي أملاك معفاة من الضرائب، ولا تخضع للمحاسبة، وبالتالي لا يمكن معرفة المداخيل التي يحققها المشرفون عليها.

فجرت فضيحة «إمام جمعة» في مدينة طهران، مدى استغلال رجال الدين للهبات التي يقدمها المواطنون للأعمال الخيرية، لتحقيق أهدافهم الشخصية والسياسية، وهذا يشبه تماما ما يحدث لدينا من قبل بعض الجهات التي تتلقى الكثير من التبرعات، وتدير أوقافا خاصة بها، ولا تخضع للمحاسبة، وستقوم هذه الجهات غالبا باستغلال أموال الخيرات في الانتخابات القادمة بقوة، كالعادة!
* * *
سعدت والكثيرون غيري بزيارتنا لـ«بيت الكويت»، بيت الأخ عادل الزواوي، لتقديم التهنئة له بشهر رمضان، وللشد من أزره، كمدافع صلب عن الهوية الوطنية. والشكر موصول لبقية أعضاء تجمع الثمانين على طيب جهودهم.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top