المسجد وكنكون وإجازة القيادة

وصلتني هذه الطرفة من صديق: أعلنت إحدى القرى المصرية، على وسائل التواصل، عن حاجتها لمن يتبرع لبناء مسجد فيها، وله الأجر والثواب. فتقدّم لهم رجل وعرّف نفسه بفلان، وأنه رجل الأعمال، ويعمل في الخليج. سألهم عن تكلفة بناء المسجد، فقالوا 250 ألف جنيه، فسألهم: كم جمعوا؟ وما المتبقي من المبلغ؟ فأجابوا: «ولا مليم، وإحنا فقراء و(غلابة) وحالنا يغنيك عن سؤالنا، وأرض المسجد تبرع بها محسن مثلك قبل سبع سنين»!

دفع لهم الرجل 250 ألف جنيه، إضافة إلى 50 ألفاً أخرى لتأثيث المسجد، فشكروه، وتمنوا عليه حضور حفل وضع حجر الأساس، فاعتذر لهم بحجه أن كفيله في الخليج طلب منه سرعة التعاقد مع 200 فني بناء، وإرسالهم لتنفيذ مشروع ضخم، ولا وقت لديه، فهبوا جميعاً قائلين إنه سيكسب بهم أجراً كبيراً، فلديهم حدادون مهرة ونجارون ممتازون وبناؤون محترفون، فطلب منهم تحضير كشف بأسماء وتخصصات كل فرد منهم، مع صورة جواز السفر لكل فرد مدوّن عليها تخصص، والأهم من كل ذلك إحضار شهادة صحية تبيّن خلوه من الأمراض المعدية، إضافة لفتح حساب في البنك، لتحويل الراتب لهم شهرياً. وقال إنه سيعود بعد أيام لتسلّم كل الكشوف، مع مبلغ 5000 جنيه لزوم مصاريف التأشيرة وتذكرة السفر.

عاد بعد أسبوع وتسلّم المبالغ منهم والكشوف، واختفى، وتبيّن تالياً أنه نصاب معروف!

المحزن في الأمر ليس نجاح شخص في الضحك على قرية كاملة، وجني 700 ألف جنيه من عملية نصب متقنة، بل في الحقيقة أن هؤلاء أخرجوا من جيوبهم مليون جنيه في أسبوع، وهم الذين سبق أن أعلنوا عجزهم عن جمع مليم واحد خلال سبع سنوات لبناء مسجدهم؟

ويريدون من الله الأجر والثواب.
***
قصة النصاب ذكرتني بقصة، أقل نذالة، وأكثر ذكاء، سبق أن كتبت عنها قبل سنوات، وسردها الأخ «كنكون»، في فيديو ونسبها لنفسه، بعد أن غير في وقائعها، وتتلخص في تخصص أحد الأفراد في التوسط لاستخراج إجازة قيادة لأي مقيم مقابل 150 ديناراً، وأن لديه في الإدارة المعنية من يساعده في الأمر، وإذا لم ينجح الشخص في اجتياز الاختبار، لأي سبب، حتى لو كان بسبب المرض أو الغياب، فإن المبلغ سيعاد له كاملاً. التزم الرجل بتعهده دائماً، وكسب ثقة الناس!

وفجأة، وبعد أربع سنوات تقريباً، انكشف أمره، بعد أن وشى به من سقط في الاختبار، مستغرباً النتيجة، بالرغم من أنه دفع مبلغ الـ150 ديناراً لفلان، فتم جر الأخير للتحقيق، الذي تبيّن منه أنه لم يكن يعرف أحداً في الجهة المعنية، غير أحد الفراشين، الذي كان يخبره فقط بنتيجة فحص القيادة. وكان ينتظر عودة من يسقط في الاختبار ليعيد له ما دفعه من مال، وكان يعتمد على أن من ينجح فغالباً سوف لن يعود له، وسيكون مبلغ 150 ديناراً من نصيبه، من دون أي مقابل!

قيل حينها إنه حقق لنفسه أكثر من 100 ألف دينار، ولم يتقدم أحد، بطبيعة الحال، للادعاء عليه بقبض رشوة منه، خوفاً من أن يساق كشريك في الجريمة!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top