يوسف بن عيسى وابنه حمد

ولد رجل الدين والقاضي «يوسف بن عيسى» العام 1879، وعاش قرابة قرن، عمل خلالها مع خمسة من حكام الكويت مرافقا وناصحا، قضى أطول فترة منها مع الحاكم أحمد الجابر، وآخرهم «عبدالله السالم».

كان عالما عفيف النفس، لم يعرف عنه أنه استغل قربه من الحكام لتحقيق منافع شخصية، بل دفع من حر ماله لتحقيق بعض أهدافه المستنيرة!

والشيخ يوسف أول من طالب بتأسيس المدارس النظامية، وكان له دور حاسم في تأسيس المباركية سنة 1911، وبعدها الأحمدية. كما إنه أول مَن طالب بتأسيس البلدية، ومن أوائل من شجع على اقتناء الكتب وقراءة الصحف، وتعلّم العلوم العصرية، وتعليم المرأة، وله نشاط أدبي وسياسي واجتماعي بارز. فما السبب الذي أصبح فيه، دون غيره، ممن كانوا أكثر تأثيرًا ومالاً منه، بهذه الأهمية، وموضع ثقة لكل هذا العدد من الحكام؟ الجواب هو العلم، فقد سبق كل أبناء جيله، وحتى من أتى بعده في إدراك أهمية العلم. ومن المؤسف أن قلة من الأسر الكبيرة تعلمت منه حرصه الكبير على إرسال أبناء أسرته لتلقي العلم في الخارج!

العلم هو الحل ولا شيء غيره يمكن أن ينتشلنا من عثراتنا، ويقلل من كل مآسينا، فهل تعي حكومتنا الجديدة ذلك؟
* * *
المحامي الراحل «حمد يوسف بن عيسى» أحد أبناء «يوسف بن عيسى» من أوائل الحقوقيين، حيث أنهى دراسته في جامعة القاهرة عام 1956. وكان محاميا بارزا، وكان له دور حيوي في تأسيس وإدارة ديوان الموظفين. ومن مواقفه الشهيرة، قبل وفاته معارضته تخفيف عقوبة جريمة الشيك بدون رصيد، وأثبتت الأيام تاليا صحة موقفه.

جالسته قرابة شهر في رمضان في ديوانه، ووجدت فيه شخصا مرحا وصريحا قل مثيله، وذا شخصية قوية وصاحب تجربة واسعة وعلم عريض. كما كان، كوالده، سابقا عصره في مواقفه وآرائه، وحذر مبكرا من خطر الإخوان المسلمين. وكان من أنصار الديموقراطية، ومن أوائل من جاهروا بعدائهم للدكتاتوريات العسكرية، ولعبدالناصر.

مناسبة الحديث عن الراحل حمد، أبو عمر تعود لرسالة تلقيتها مؤخرا من صديق لبناني، قال فيها (بتصرف):

كنت اعمل في الكويت في بداية السبعينيات وفي يوم وردتني مكالمة بان الشرطة ألقت القبض على صديقي وابن بلدي وشريكي في العمل، بتهمة إتلاف وسرقة محتويات ماكينة نقد، من نوع ncr تعود لأحد المحالّ الكبيرة. وكان صديقي ضمن المتهمين، بعد أن وجدوا بصماته عليها.

ذهبت في اليوم التالي للمخفر ومعي التقرير الفني الذي يبين أن صديقي المتهم سبق أن قام، في يوم السرقة، بالصيانة الدورية لتلك الآلة، لكن ضابط المخفر أصر على حجز المتهم، حتى بعد أن بينا له أنه قام بتغيير التاريخ على الآلة، ونسي فيها شيئاً.

بعد أربعة أشهر من الانتظار وردتني برقية من مديرنا في بيروت تطلب إخراج صديقي من السجن بأي ثمن، فقمنا بالسؤال عن أفضل محام، فدلونا على «الأستاذ حمد العيسى»، وحذرونا من أن رسومه عالية، وقد لا يقبل، وبالفعل رفض القضية، لكن بعد إلحاح، طلب الذهاب معنا لمعرض الشركة لرؤية آلة شبيهة بالتي كُسرت، وطلب منا أن نفتح جارورها أمامه، واكتفى بذلك، وطلب حضوري والآلة في يوم المحاكمة.

عقدت الجلسة وتم إحضار آلة النقد، وقام المحامي بسؤال المتهم إن كان يعرفه أو سبق أن التقى به، فكان الجواب بالنفي، طبعا. فطلب منه فتح درج أو جارور آلة النقد أمام هيئة المحكمة، فقام هذا بالضغط على زر جانبي فانفتح الدرج تلقائيا! فنظر المحامي لهيئة المحكمة وقال إن موكله لا يمكن أن يكسر آلة يعرف جيدا كيف يفتحها بكبسة زر، وأن من كسرها وسرق محتوياتها شخص جاهل. اقتنع القاضي والمستشارون على الفور بحجة المحامي، وقضوا ببراءة صديقي.. الذي خرج من السجن، وهاجر من فوره لأمريكا! واليوم فقط تلقيت رسالة من ذويه يخبرونني فيها أنه... توفي!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top