حديث في أمور مهمة

أولاً: شئنا أم أبينا، نحن دولة من العالم الثالث، لكن بإمكان حكومة رشيدة، بالفعل، أن تنقلنا، بقواها الذاتية إلى مصاف الدول النامية، وهذه خطوة مستحقة وقابلة للتحقيق. فلدينا كل العوامل المطلوبة لإحداث هذه القفزة العظيمة، وتحقيق الحلم خلال عشرين سنة، أو حتى أقل من ذلك. الأمر لا يتطلب غير وضع الخطة، واعتمادها وتنفيذها، وهذا كلام يسهل، بالطبع التحدث فيه، لكن تنفيذه ليس بتلك السهولة.

ثانياً: الديموقراطية ليست عائقاً أمام التقدم والترقي، بل هي عامل مساعد، فلم تتقدم دولة في العالم، في العصر الحديث من دونها، والتقدم هنا لا يعني عمارات وطرقات وصناعة سيارات وقطارات سريعة ومطارات عظيمة، بل وتعني أيضاً إبداعاً بشرياً خلاقاً، بوجود جامعات متقدمة، وأبحاث مفيدة وحرة، وصدور روايات وأعمال أدبية مميزة، ووجود قوانين وأحكام واضحة، وإبداعات مسرحية وفنية عالية، وكرامة إنسانية مصونة بحكم القانون، والأمثلة أمامنا أكثر من أن تحصى. فقد كان الاتحاد السوفيتي، على سبيل المثال، والدول التي كانت تدور في فلكه، تحقق الكثير خلال فترة الحكم الشيوعي، سواء في الرياضة أو الصناعة وغيرهما، لكن مواطنيها كانوا أحياناً على استعداد للتعرض للموت في محاولاتهم الفرار من ذلك السجن، «الجميل»، فقد كان التعليم والطعام والدواء فيها مجاناً، لكن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان. كما بلغت الكويت أوج تقدمها «الحضاري»، بكل ما تعنيه الكلمة من معان، عندما تمتعت بديموقراطية حقيقية، قبل أن تستولي قوى الظلام على مقدرات البلاد، وتجعلها وطناً ظالما لبعض فئاته، ومظلماً، يفتقد كل أنواع الطراوة والحس الجميل، بحجة الحفاظ على التقاليد. كنا يوماً، خليجياً على الأقل، الأفضل، رياضياً وفنياً وثقافياً وأدبياً، على الرغم من صغر حجمنا. وكانت إبداعات الكويتيين تصل العالم. فالحرية لا تقدّر بثمن، ولا يعرف معناها إلا من يفتقدها، فأقصى عقوبة يمكن توقيعها على «مذنب» هي زجه في السجن، واستغرب بالتالي ممن على استعداد للتنازل عن حريتهم، أو هكذا يدّعون، بحجة أنه بفقدها ستمتلئ فنادقنا بالرواد، وسيتقدم اقتصادنا، وهذه حجة سقيمة، فما الذي يمنع من وجود الحرية مع الفنادق الملأى؟ فكل قرارات منع الالتحاق بعائل وإغلاق البلاد لم تصدر من مؤسسات ديموقراطية، بل من سلطة تنفيذية.

ومخطئ أيضاً من يعتقد أن السرقات تزيد في المناخ الديموقراطي، وتختفي في الأنظمة الدكتاتورية، لوجود الحزم والشدة! هذا وهم وهراء، فلا دليل على أن الفساد في الأولى أكثر من الثانية، فعدم سماعنا عن وقائع فساد في دولة ما لا يعني عدم وجوده.

كما إن جحافل 34 دولة لم تكن لتجتمع لتحرير الكويت عام 1990 من بطش وظلم صدام، لو كنا دولة دكتاتورية ظالمة فاسدة، بل جاءت وهي على ثقة بأننا شعب يستحق التضحية من أجله، وأن فترة توقف العمل بالديموقراطية كانت مؤقتة، ولن تتكرر، وهذا ما شجع قادة أميركا والدول الغربية الأخرى للتضحية بأموالهم، وقبلها أرواح أبنائهم لتحرير وطننا!

وأخيراً، كل من يدعون لزوال الديموقراطية لهم هدف من وراء ذلك، ولنا حق معارضة أهوائهم، على الأقل «اقضب مجنونك لا يجيبك من هو أجن منه».
* * *
الكويت ستنهض، من خلال تمسكها بنظامها الديموقراطي، شاء أعداؤها أو كرهوا، وكل ما تحتاجه هو حكومة نوعية مميزة. فقد تعلمنا، من تاريخنا وتاريخ بقية الأمم، أن ما تريده القيادة، ممثلة بالحكومة، سيتحقق في نهاية الأمر!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top