يوم سقطت «مشرف»

كان روبرت أوين (1771 ــ 1858)، صانع النسيج البريطاني البارز، مصلحاً اجتماعياً، ودفعته مواقفه تجاه العاملين لديه إلى فتح أول متجر تعاوني لبيع المنتجات العالية الجودة بأسعار مخفضة لهم، واعتبرت التجربة الأولى في التاريخ لإدارة جمعية تعاونية يملكها العمّال.

في الكويت بدأت أولى محاولات التعاون عام 1941 بمدرسة المباركية، من خلال جمعية تعاونية لإدارة مقصف المدرسة، ومن بعدها انتشرت التجربة إلى مدارس أخرى، وكنت في الخمسينيات من المساهمين في جمعيتي مدرستي الصباح والصديق.

أما أول جمعية تعاونية رسمية يملكها أهالي المنطقة فقد كانت جمعية كيفان، التي تأسست في 1962، بغرض خدمة المنطقة وتوفير السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية لسكان المنطقة وروّادها، وكانت تجربة الجمعيات ناجحة في بداياتها، واليوم وصلت مبيعاتها السنوية لأكثر من 4 مليارات دولار، لكن مع «الصحوة غير المباركة»، نجحت الأحزاب المؤدلجة دينياً في السيطرة على مجالس إدارات الكثير منها، وربما كانت تلك بداية نخر الفساد في جسد أغلبيتها، وتحولها إلى أداة سياسية وإثراء غير مشروع، وتوالي إحالة بعض أعضائها، أو كامل مجالس إداراتها، المنتخبة أو المعينة من وزارة الشؤون، إلى النيابة للتحقيق معهم في مخالفات مالية جسيمة، وشمل الفساد معظم الجمعيات تقريباً، وأصبح مع الوقت سمة من سماتها، ومصدر شكوى الجميع، وسبب الصداع لوزارة الشؤون، وأداة ابتزاز للمتعاملين معها من مستأجرين وموردين، مع تواضع خدماتها الاجتماعية، بخلاف قيامها بتمويل رحلات عمرة للبعض!
* * *
تزايدت مع الوقت الانتقادات الحادة للجمعيات التعاونية، وتزايدت معها المطالبات بإلغاء الفكرة برمتها، واقترح غيرهم إصلاحها، وطالب فريق ثالث بنزع حق إدارة الأسواق المركزية من مجلس إدارتها وتسليمه لشركات تسويق محترفة، وطالب فريق رابع بتحويل الجمعيات لشركات مساهمة عامة، يمتلك أهالي المنطقة كامل أسهمها لبضع سنوات، ويجوز لهم في مرحلة تالية بيعها في البورصة، وبهذه الطريقة تصبح حساباتها وأعمالها تحت مراقبة جهات عدة، بدلاً من جهة واحدة. كما عارض نواب وأصحاب مصلحة تعديل أوضاعها، وضرورة بقائها كما هي، لما في ذلك من منفعة لهم.
* * *
كانت جمعية مشرف التعاونية، في نظر البعض، أيقونة وبعيدة عن الفساد، وكانت تحقق أرباحاً مجزية على مدى سنوات، مما دفع البعض لاقتراح تسليمها إدارة البلد بدلاً من الحكومة، ثم تبين مؤخراً، من خلال تقرير للإعلامي الناجح علي خاجة، أنها ليست أفضل من غيرها، حيث طالتها المخالفات، وخير دليل على فشلها أن شركة أسواق مركزية معروفة اقتحمت دارها، وأصبح لها فرع كبير في مشرف، وهذا يعني اطمئنان الأخيرة أن بإمكانها تقديم خدمة لأهالي المنطقة تفوق مستوى ما تقدمه لهم «جمعيتهم»!
* * *
فكرة الجمعيات التعاونية في الكويت عفا عليها الزمن، وفشلها واضح لكل صاحب بصيرة، وأقوى دليل على فشلها نجاح منافساتها، بالرغم أن أراضيها ومبانيها ليست مجانية، وبالتالي فإن كل من ينادي ببقاء الجمعيات التعاونية على وضعها الحالي، إما انه جاهل بأوضاعها، أو مستفيد منها!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top