ناجي الزيد.. والمقبرة

قمت بواجبي بتقديم العزاء لذوي الفقيد، الزميل الراحل ناجي سعود الزيد، الذي غادر بعد أن ترك إرثاً ثرياً من العمل الأكاديمي والعلمي والصحافي، حيث أبدع في القبس، وتالياً في «الجريدة»، وكان مثال الإنسان الملتزم بما كان يكتب، وما كان يدعو له، ويطالب به من ضرورة احترام العمل والقانون والصدق مع النفس قبل الصدق مع الآخر.

لقاءاتي به، عندما كان يكتب في القبس، كانت نادرة، لاختلاف دربينا من جهة، ولندرة زياراتي لمبنى القبس. ولم ألتقِه بعد أن توقف عن الكتابة بها، إلا مؤخراً، بعد أن أجبره المرض على دخول المستشفى، حيث بقي فيه فترة طويلة، قبل وفاته، في سن مبكرة، نسبياً.

لم تختلف آرائي ومواقفي عنه إلا قليلاً جداً، وما جمعنا كان أكثر مما كان يفرقنا. وكان مهموماً، كغيره من المواطنين الصالحين، الذين تتناقص أعدادهم كل يوم، بوضع الدولة، ممنياً النفس بأن الأمور ستتجه قريباً للأفضل، ولكن يد المنون لم تمهله ليرى فجر الإصلاح القادم، الذي أصبحنا، أخيراً، نمني النفس به!
* * *
زيارتي للمقبرة كانت، على ندرتها، مؤلمة كالعادة، ليس فقط لتقديم عزاء في صديق كبير، بل لما يمتلئ به المكان من مناظر وفوضى ومخالفات تتزايد كل يوم، والمفارقة المؤلمة أن من بين من أتوا لتقديم واجب العزاء في الفقيد ناجي، من خالفوا كل ما كان يمثله الفقيد ويكتب عنه من ضرورة احترام الآخرين، واحترام القوانين، حيث تجد من يقوم، من دون حياء، وبينهم من تبدو عليهم كل سمات رجال الدين وديكورات التدين، بمخالفة أبسط قواعد الذوق، وتجاوز الجميع، من دون اكتراث ولا احترام، بالرغم من عشرات اللوحات التي تملأ صالة العزاء مطالبة المعزين بعدم «تضييع أجر العزاء» في ارتكاب مخالفة تجاوز الدور، وبالذات في مكان له خشوعه واحترامه، علماً بأن الفرق في الوقت، بين من احترم نفسه ودوره، وبين من أهان نفسه ولم يحترم الغير، لا يتجاوز دقائق معدودة جداً!

ثم يبدأ المظهر الثاني للفوضى بعد انتهاء العزاء، حيث تتشابك المركبات بعضها مع بعض في طريقها، إما للخروج من المواقف، أو من بوابات المقبرة السيئة التصميم. هذا غير العشرات الذين قاموا بإيقاف مركباتهم في أماكن مخالفة، مسببين الإزعاج والتأخير لغيرهم.

عجيب أمر من يخرج من بيته، ويقضي أكثر من ساعة في ذهابه وعودته، وعندما يبدأ طابور المعزين بالتحرك لا يمتلك صبراً لدقائق، ويصر على إهانة غيره، وهذه من صفات الشعوب المتخلفة وأصحاب العادات السيئة، ومن يرتكبون أفعالاً سبق أن نهى عنها من حضروا دفنه، في كثير من مقالاته، لكن يبدو أن هؤلاء ليسوا من قراء مقالاته، ولا حتى من قراء الصحف. كما أنه لا وزير تربية اكترث يوماً بالوضع السيئ للأخلاق في الدولة، ولذا لم يفكر حتى بتضمين بضع صفحات منها في مناهج المدارس.

الأمم التي بلا أخلاق – ونحن طبعاً لسنا منها – لا يمكن أن تقوم لها قائمة!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top