الخطر الفلسطيني

العودة لتاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، من بدايات القرن الماضي وحتى ما قبل اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بحق إسرائيل في الوجود، قضية شائكة. كما أن توجيه اللوم لقيادات فلسطينية لن ينتج عنه عودة الحقوق لأصحابها، ولا يجوز، بعد أكثر من مئة عام، الاستمرار في تحميل جميع الفلسطينيين أوزار أخطاء غيرهم. فمن الواضح، ومنذ اتفاقيات أوسلو وما بعدها أن غالبية الشعب الفلسطيني يأس من «الكفاح المسلح»، الذي تمثل غالبا في عمليات فدائية، وقرروا السير في طريق السلام أملا في الحصول على حقهم في دولة حرة مستقلة، لكن الرفض الإسرائيلي، وما قابله من رفض فلسطيني مضاد، خلق لدى الإسرائيليين قناعة، ترسخت مع الوقت، بأن الاعتراف بدولة فلسطينية يعني بداية نهاية دولتهم، وأن الحل الوحيد يكمن في إنهاء القضية من خلال إعطاء المطالبين بوطن، وطنا، ولكن على أرض دولة أو دول عربية أخرى، فالعقلية الإسرائيلية أصبحت تؤمن، بقوة أكبر، خاصة بعد أحداث السابع من أكتوبر، أن «السلام الفلسطيني» خطر على وجودها، ويجب إنهاء هذا الوجود الفلسطيني، بطريقة أو بأخرى.

في مقابلة مع «ناتالي بينت»، رئيس وزراء إسرائيل السابق، والمرشح الأقوى لخلافة «نتانياهو»، مع قناة البي بي سي، ذكر أن إعطاء أية قطعة أرض للفلسطينيين، كما فعلت إسرائيل، عدة مرات، لتأسيس دولتهم، ثبتت خطورته، ولا يجب أن يتكرر!

كما ورد في محاضرة لوزير خارجية إسرائيل السابق «شلومو بن عامي» بأن الأحداث أثبتت أن انسحاب إسرائيل من أية قطعة أرض، سبق أن كانت تحت سيطرتها، حولها لقاعدة لإطلاق الصواريخ عليها، وهذا ما حدث في جنوب لبنان وفي غزة، وأنهم لن يسمحوا بتكرار هذا الأمر!
* * *
لم أتفق يوما مع حماس، ولم أعجب لحظة بأقوال قادتها، ولا بمواقفهم وسياساتهم، وذكرت ذلك في أكثر من مقال ومقابلة. وأعتقد جازما بأن تسليم مصير فلسطين للحركة، كمنظمة مؤدلجة، متشربة بالفكر الإخواني، ولها ارتباطات بأنظمة راديكالية في المنطقة، لن ينهي الصراع، ولن يحقق السلام المنشود، لأنهم يفتقدون للحد الأدنى من إدراك منطق الأمور، ولن يكون هناك إلا مزيد من الضحايا الأبرياء.

كما أؤمن بأن القضية الفلسطينية، كانت ويجب أن تبقى قضية فلسطينية، وبغير الدم الفلسطيني الغالي لا يمكن تحقيق أي نصر، أو الوصول لأي سلام، والاعتماد، كما كتبت عدة مرات، على مساعدة الدول العربية في تحرير وطنهم هو أقرب للوهم، فمعظمها أعجز من أن تحرر نفسها مما يكبلها من قيود. كما أن الاستعانة بالدول العربية يعني تلقائيا نقل كل خلافاتها للقضية ولشعبها.

وأؤمن أيضا أن الدم الفلسطيني الذي سيراق لن يبني دولة حرة وموحدة ومستقلة بوجود صراع أو خلاف فلسطيني فلسطيني! فما تحقق حتى الآن من تعاطف وتأييد دوليين وما حظيت به الحقوق الفلسطينية من تأييد عارم، هز حتى أركان الكونغرس الأميركي، والتأييد الساحق وغير المسبوق للحق الفلسطيني سيضيع، خاصة بين النخب الغربية المثقفة، وبالذات من يهود إسرائيل وخارجها، عند أول اشتباك بين حماس ومنظمة التحرير، وكل عوامل هذا الاشتباك موجودة على الأرض وفي القلوب. وبالتالي فإن الطريق للدولة المستقبلية يبدأ بتوحيد القرار الفلسطيني. فالعالم أعجز أو غير راغب على فرضها على إسرائيل، بغير موافقة ودعم أميركي وإرادة فلسطينية موحدة.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top