السرطان.. ودعاء السفر

ورد في الملحق الديني لصحيفة محلية، على لسان د.محمود جاد عبدالرحيم، أن في الدين برنامجاً للوقاية من السرطان. فقد ثبت أن العسل والتمر واللبن تساعد على الشفاء من داء السرطان. كما أن للسواك والحبة السوداء فوائد كبيرة في كسب المناعة، وأنه توصل لحقيقة أن %85 من السيدات المصابات بسرطان عنق الرحم تكون إصابتهن ناتجة عن كون أزواجهن من غير المختونين!
* * *
ورد الكلام أعلاه، الذي لا يستحق حتى تأكيد عدم صحته، في مقال كتبته في 27–11– 1994، أي قبل 30 عاماً، والمؤلم أكثر من الكلام أعلاه أن «ثقافتنا الدينية» لم تكتف بالجمود، بل اتسمت بالتراجع، وأصبحنا نتصدر التأخر والجمود، ونصدر المستهجن من الفتاوى، التي كلما كانت غريبة ومتطرفة، وقائلها متطرف، زاد عدد المؤمنين بها، وطال طابور المستمعين لها! يحدث كل ذلك ونحن قاب قوسين أو أدنى بكثير من انفجار تقنيات الذكاء الاصطناعي في وجوهنا، وقلب حياتنا رأساً على عقب، وهذا ما يفكر فيه الغرب المتقدم، ويخشاه، ونحن متمسكون بالنواجذ على تخلفنا وضعف حالنا، ولا أدري كيف فشلنا، ليس فقط في أن نتقدم فكرياً، على الأقل، لا، بل ازددنا تخلفاً، وتردى وضعنا للحضيض في كل ميدان، والسبب معروف، والمسبب معروف، والعلاج أيضاً معروف.
* * *
حظيت تغريدة عن فقرة وردت على لسان أستاذ جامعي مرموق، قالها في ندوة عُقدت في دولة خليجية، تعلقت بالحكمة من بث طيران الكويتية لدعاء السفر، المطول، حظيت التغريدة بانتشار واسع، كعادة أي انتقاد لتصرُّف، أو كلام يتعلق بالدين!

بحثت في منشأ الدعاء فتبين أن الموضوع يعود لبضعة عقود عندما قرر كابتن كويتي، يوم كان في عز تشدده الديني، قراءة دعاء السفر، بصوته الجهوري، قبل الإقلاع بطائرته. بعد استغراب بعض الركاب من الموضوع، كونها الطائرة الوحيدة التي تقوم بذلك، تم التحقيق مع الكابتن، الذي أصر على موقفه! وكالعادة، عندما يتعلق الأمر بمسائل دينية، تم غض النظر عن تصرف الكابتن، ومع الوقت أصبح بث الدعاء عرفاً في كل رحلات الكويتية، وانتقل لشركات طيران أخرى. وعلى الرغم من أن «المزاج الديني» لصاحب فكرة بث الدعاء تغيرت بعد سنوات، لكن الدعاء بقي حتى اليوم، وأصبح أطول من ذي قبل، علما بأن الدعاء موجود بنصه، وأفضل وأكثر منه في الهاتف النقال لكل راكب، وبإمكانه الاستماع إليه أو قراءته بكل سهولة.
* * *
قصة بقاء الدعاء، وتغير «مزاج» من كان وراء فرضه، استدعت للذاكرة حادثة صديقتنا الأميركية التي أصرت على قص ذيل ورأس السمكة قبل وضعها في الفرن، على الرغم من احتجاج زوجها وضيوفها وسخريتهم من تصرفها، إصرارها جاء بحجة أن هذا ما كانت تقوم به والدتها، وعند الاتصال بالأخيرة وسؤالها عن سبب الإصرار على قطع ذيل ورأس السمكة، قالت إنها كانت تفعل ما كانت والدتها تقوم به، وعند سؤال الجدة أجابت، ببساطة صادمة، بأن الفرن الصغير الذي كان لديها لم يكن يتسع لوضع سمكة متوسطة الحجم بداخله!
* * *
كمْ من الأمور والعادات والطقوس التي نقوم بها لا نعرف حقيقة لِمَ نؤديها، وغالباً نؤديها نقلاً عمن سبقنا لها، وجاء عصر الطائرات النفاثة، وسعدنا بركوبها، ووثقنا بكونها الوسيلة الأكثر أماناً وراحة في السفر، لكن مخاطر ركوب الجمال في الصحراء القاحلة، وكآبة ما يقع عليه النظر، وأهوال ومخاطر الموت في الطريق بقيت راسخة في أذهاننا!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top