الهنود الحمر وشجرة الميلاد

سأل الهنود الحمر كاهنهم عن توقعاته عن فصل الشتاء المقبل، فقال إنه سيسأل الأرواح ويخبرهم. قام الكاهن بالاتصال بالأرصاد الجوية، بدلا من الأرواح، فأخبروه بأن الشتاء سيكون باردا، فأخبر أتباعه بذلك وطلب منهم أن يحتاطوا للأمر بشراء حطب للتدفئة. بعدها بفترة عادوا وسألوه ثانية عن الطقس، فطلب أن يمهلوه، وعاد لسؤال موظف الأرصاد عن برودة الشتاء المقبل، فأخبره بأنه سيكون أكثر برودة مما كان يتوقع، فعاد الكاهن لقومه وطلب منهم أن يشتروا المزيد من الحطب، لأن الشتاء سيكون باردا جدا! استمر سؤال هؤلاء للكاهن، واتصال الأخير بالأرصاد، واستمرت التوصيات بشراء المزيد من الحطب، إلى أن اختفى من السوق، وفي آخر اتصال للكاهن بالأرصاد أخبره الموظف بأن الشتاء المقبل سيكون الأكثر برودة في تاريخ أميركا، فسأله عن الكيفية التي تنبأ فيها، فقال: عندما تشاهد الهنود يتكالبون على شراء حطب التدفئة، فأعلم أن الشتاء سيكون قارساً جداً!
* * *
تذكرت تلك الطرفة القديمة، بعد أن أخبرتني سيدة بريطانية أعرفها أنها لاحظت اختفاء أشجار الميلاد، البلاستيكية، واكسسواراتها من أرفف المحال التي ذهبت لشراء واحدة منها لأطفالها. وأنها تذكرت طرفتي عن جمع الهنود الحمر لخشب التدفئة، وكيف أنها أخبرت زوجها باختفاء تلك الأشجار وكيف قام من فوره بالبحث عن السبب في فقدان تلك المواد البسيطة والمفرحة من السوق، فتبين أن مفتشي التجارة منعوا بيعها، وحرروا مخالفات بحق المحال التي كانت تعرضها، بحجة أنها تمثل مخالفة للآداب العامة (!!)

لا أدري كيف اصبح عرض أشجار ميلاد بلاستيكية، بريئة، وإكسسواراتها الأكثر براءة، وأردية بابا نويل، من المواد التي تتضمن «مخالفة للآداب العامة»؟!

هذا قرار سخيف جدا ذكرني بقرار سابق أكثر سخافة ونحاسة، صدر قبل أكثر من نصف قرن، ولا يزال ساريا، الذي منع جميع الفنادق من ممارسة «موبقة» عزف البيانو في ردهاتها، وتحديدا في الفترة من 24 ديسمبر (اليوم الذي يسبق الكريسماس) وإلى الأول من يناير (أي اليوم التالي لعيد رأس السنة)!
* * *
ربما من حق مسؤولي التجارة ممارسة ما شاؤوا من تصرفات مستهجنة، متسلحين بسلطاتهم الإدارية، وحرمان الآلاف من لحظات فرح قصيرة وبريئة، لكن ما علاقة الآداب العامة ببيع شجرة ميلاد؟ ولماذا التخفي وراء قرار وزاري، وتفسيره على أن شجرة الميلاد، واسلاكها الكهربائية وكراتها الصغيرة ومصابيحها وقبعة بابا نويل مخالفة للشريعة الإسلامية؟

هذا تعنت و«تسلبط» في دولة أصبحت غريبة علينا، فكيف يصدر شخص مثل هذا القرار، ويهرول بعدها لغير المسلم، غالبا، ليقدم له العلاج وليخفف من آلامه، ويصف ويصرف الدواء له، ثم يقوم الأخير ويحرّم أبناء من عالجه من الموت من التمتع بلحظات سعادة بريئة؟

قرار وزارة التجارة بمصادرة اشجار الميلاد وفرض غرامات مالية على من قاموا بعرضها، دون علم بأن في ذلك مخالفة للشريعة، مضحك ومبك في الوقت نفسه، ويجب إيقافه. فماذا عن آلاف السلع والمواد التي لها علاقة بالدين المسيحي، من ملابس وصلبان ذهبية وغيرها، بخلاف من يحملون أسماء أو يديرون محال بأسمائهم، هل سيتم منعها أيضا؟ وهل سيتبع ذلك غلق الكنائس، وهو ما فشلت فيه قوى الظلام والتخلف قبل 122 عاما، ويبدو أنها ستنجح الآن؟ وماذا عن السفارات التي ترفع أعلاماً تحمل شارة الصليب، أو ممثيلة الصليب الأحمر في الكويت، وتمثيل الفاتيكان؟

هذه التصرفات السخيفة لا تبعدنا فقط عن العالم المتحضر، بل جعلتنا شعبا من المرائين والمنافقين والمتناقضين في تصرفاتنا!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top