أمة تنتظر غودو

«في انتظار غودو»؛ مسرحية كوميدية مأساوية، من تأليف الإيرلندي صموئيل بيكيت، نُشرت عام 1952وتتحدث عن فلاديمير وإستراجون، المعدمين والمشردين، اللذين يقفان وسط أرض جرداء على قارعة طريق قُرب شجرة عارية إلا من بعض الوريقات، بانتظار شخص يُدعى غودو! طال انتظارهما ليومين، أملًا في أن يخلصهما غودو من حالة البؤس والفقر واليأس التي يعيشانها!.

لقد بقت شعوبنا قرونا تنتظر غودو، ويبدو أننا سننتظر مثلها... دون أمل! فغودو هنا هو العلم، والعلم في وضعنا يتمثل في التعليم، والتعليم في الحضيض، فقد فشلنا على مدى مئة عام، على الأقل، في تأسيس جامعة واحدة لها قيمة علمية، حتى الجامعات التي افتتحتها الكنائس الأجنبية في بلادنا، التي كانت يومنا مميزة، تم القضاء عليها، فغياب الحرية عنها أفقدها كل معنى.

ومن وحي المسرحية، ربما، كتب نزار قباني قصيدة نقتطع منها بعض الأجزاء المختارة:

ننتظرُ القطار

ننتظرُ المسافرَ الخفيَّ كالأقدارْ

يخرجُ من عباءةِ السنينْ

يخرجُ من بدرٍ، من اليرموكِ،

من حطّينْ..

يخرجُ..

من سيفِ صلاحِ الدّينْ..

من سنةِ العشرينْ

ونحنُ مرصوصونَ..

في محطّةِ التاريخِ، كالسّردينْ..

يا سيّداتي سادتي:

هل تعرفونَ ما حُريّةُ السّردينْ؟

حينَ يكونُ المرءُ مضطرّاً

لأن يقولَ رغمَ أنفهِ: آمينْ

حينَ يكونُ الجرحُ مضطرّاً

لأن يُقبّلَ السكّينْ..

يا سيّداتي سادتي:

من سنةِ العشرينْ

ونحنُ كالدجاجِ في أقفاصنا

ننظرُ في بلاهةٍ

إلى خطوطِ سكّةِ الحديدْ

أفقيّةٌ حياتُنا..

مثلَ خطوطِ سكّةِ الحديدْ

ضيّقةٌ.. ضيّقةٌ

إلى أن يصل في ربط انتظارنا زمانيا ومكانيا بقوله:

ننتظرُ القطارْ

مكسورةٌ منذُ أتَينا ساعةُ الزمانْ

والوقتُ لا يمرُّ..

والثواني ما لها سيقانْ

ويناشد غودو على طريقة بيكيت:

تعالَ يا غودو..

أولادُنا ناموا على أكتافِنا..

رئاتُنا.. تسمّمَتْ بالفحمِ والدخانْ

والعَرْضَحَالاتُ التي نحملُها

عن قلَّةِ الدواءْ..

والغلاء..

والحِرمان..

صادَرَها مرافقو السلطانْ

تعالَ يا غودو.. وجفِّفْ دمعَنا

وأنقذِ الإنسانَ من مخالبِ الإنسانْ
....
تعالَ يا غودو..

فقد تخشَّبتْ أقدامُنا انتظارْ

وصارَ جلدُ وجهِنا..

كقطعةِ الآثارْ..

تبخّرتْ أنهارُنا

وهاجَرَتْ جبالُنا

وجَفّتِ البحارْ

وأصبحتْ أعمارُنا ليسَ لها أعمارْ

تعالَ يا غودو.. فإنَّ أرضَنا

ترفضُ أن تزورَها الأمطارْ

ترفضُ أن تكُبرَ في ترابِنا الأشجارْ

تعالَ.. فالنساءُ لا يحبلنَ..

والحليبُ لا يدرُّ في الأبقارْ

إن لم تجئْ من أجلنا نحنُ..

فمن أجلِ الملايينِ من الصّغارْ

من أجلِ شعبٍ طيّبٍ..

ما زالَ في أحلامهِ

يُقرقشُ الأحجارْ

يقرقشُ المعلّقاتِ العشرَ..

والجرائدَ القديمهْ

ونشرةَ الأخبارْ

كان هذا استذكارا لأحلام أجيال عديدة انتظرت غودو بلا جدوى.. وكما لو أن الزمن توقّف والتاريخ كرّر نفسه، ليحيطنا في كلّ مرة بالأوضاع البائسة نفسها، والانتظار بلا طائل وخيبة الأمل ذاتها.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top