اليهودي العاقل

يعتبر توماس فريدمان أحد أفضل الصحافيين في العالم، ويكتب منذ سنوات في «النيويورك تايمز»، كما سبق له أن زار المنطقة كثيراً، وله عشرات المقالات والمقابلات والأفلام الوثائقية عن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

وهذا ملخص لمقاله قبل الأخير، الذي غيّر أفكار الكثيرين: لقد حذرني الناس قبل مجيئي إلى تل أبيب قبل بضعة أيام من أن إسرائيل 7 أكتوبر هي إسرائيل التي لم أزرها من قبل، كانوا على حق. إنها مكان لم يعش فيه الإسرائيليون من قبل قط، وأمة لم يضطر جنرالاتها إلى حمايتها من قبل، وحليف لم تضطر أميركا إلى الدفاع عنه من قبل، على الأقل ليس بالقدر الذي قد يقود رئيسها لأن يكون أول زائريها، بعد عملية «حماس».

اتضح لي أن إسرائيل تواجه خطراً حقيقياً، وأكبر من أي وقت مضى منذ حرب 1948. ولأسباب ثلاثة: أولاً، تواجه إسرائيل تهديدات من مجموعة من الأعداء، الذين يجمعون بين وجهات نظر ثيوقراطية تعود للعصور الوسطى، وأسلحة القرن 21. ولم يعودوا رجال ميليشيات، بل جيوشاً حديثة تضم ألوية وكتائب وقدرات إلكترونية وصواريخ طويلة المدى وطائرات من دون طيار ومعدات عسكرية، فحماس مدعومة من إيران و«حزب الله» وميليشيات عراقية وحوثيين، وحتى بوتين أصبح قريباً منهم، ومجموعهم يهدد وجود إسرائيل. فكيف يمكن لديموقراطية حديثة أن تعيش مع مثل هذا التهديد؟ كانت بداية الهلع ابتعاد الإسرائيليين عن المناطق الحدودية، بما يزيد على 200 ألف «لاجئ إسرائيلي»، ربما في خطوة لبعضهم للخروج من البلاد تالياً. ويدهشني العدد المتزايد من الإسرائيليين الذين يشعرون الآن بهذا الخطر.

ثانياً: إسرائيل بحاجة ماسة للدعم الخارجي، والأميركي بالذات، لكن بايدن لا يمكنه توليد الدعم الذي تحتاجه إسرائيل بشكل مستدام، إلا إذا كانت إسرائيل مستعدة للانخراط في نوع ما من المبادرات الدبلوماسية في زمن الحرب الموجهة نحو الفلسطينيين في الضفة الغربية – ونأمل في غزة ما بعد حماس – التي تشير إلى أن إسرائيل ستناقش نوعاً ما من التسوية، كحل الدولتين، إذا تمكّن المسؤولون الفلسطينيون من توحيد بيتهم السياسي وتنظيمه.

وهذا يؤدي مباشرة إلى الخطر الثالث، الذي يتمثل في وجود نتانياهو، وهو أسوأ زعيم في تاريخ إسرائيل، وربما في التاريخ اليهودي كله، العاجز عن اتخاذ المبادرة، بخلاف غطرسته وتطرفه، وكل هذا لا يساعد حلفاءه في الخارج على بناء التحالف المطلوب لهزيمة حماس. قبل 7 أكتوبر كان الإسرائيليون يعتقدون أن التهديد يتمثل في الصواريخ، لذا قاموا ببناءغرف آمنة، لكن جاء مسلحو حماس وأحرقوهم في غرفهم الآمنة، فأصبح مفهوم الأمن غير مفهوم؟ كما أدت عملية 7 أكتوبر إلى تصلب قلوب الإسرائيليين تجاه معاناة المدنيين في غزة. كما أنها سببت شعوراً عميقاً بالإهانة والذنب لدى الجيش الإسرائيلي، لفشله في مهمته الأساسية المتمثلة في حماية حدود البلاد، وللتغلب على هذا الفشل، فسيضطر الجيش لارتكاب أعمال إجرامية وحشية. وفقاً لمكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي الرسمي، في نهاية عام 2021، يعيش 9.449 ملايين شخص في إسرائيل (بما في ذلك الإسرائيليون في مستوطنات الضفة الغربية)، حسبما ذكرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل العام الماضي. من بين هؤلاء، 6.982 ملايين (%74) يهود، 1.99 مليون (%21) عرب، و472.000 (%5) ليسوا كذلك.

ويقدر مكتب الإحصاء الفلسطيني عدد السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية بما يزيد قليلاً على ثلاثة ملايين نسمة، وسكان غزة بما يزيد قليلاً على مليوني نسمة. لذلك يقول نتانياهو إن سبعة ملايين يهودي سيسيطرون إلى أجل غير مسمى على حياة خمسة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وغزة – في حين لا يعرض عليهم أي أمل في أفق سياسي، أو أي شيء، على شكل دولة في يوم من الأيام وبأي شروط منزوعة السلاح. لقد أخذ نتانياهو ومتعصبوه اليمينيون المتطرفون إسرائيل في رحلات متعددة من الخيال في العام الماضي، أدت لتقسيم البلاد والجيش حول الإصلاح القضائي الاحتيالي، وإفلاس مستقبلها باستثمارات ضخمة في المدارس الدينية التي لا تدرس الرياضيات، وفي يهود الضفة الغربية والمستوطنات التي لا تعلم التعددية – في حين تعمل على بناء حماس، التي لن تكون شريكاً للسلام أبداً، وتمزيق السلطة الفلسطينية، الشريك المحتمل الوحيد للسلام. وكلما أسرعت إسرائيل في استبدال نتانياهو وحلفائه من اليمين المتطرف بحكومة وحدة وطنية حقيقية، كانت الفرصة أفضل أمامها للتماسك، والبقاء.

استدراك: يرجى العلم بأن مجلس إدارة جمعية الهلال الأحمر يتكون من د. هلال الساير، أنور الحساوي، مها البرجس، عبدالله الحميضي، حمد البحر، وفاء القطامي، فوزية النصار، وليد النصف، ود. خالد الصبيح.

فالمعذرة على الخطأ غير المقصود في ذكر الأسماء، في مقال أمس.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top