جريمة القيادي وفرّاش البلدية

ضبط قيادي، برتبة وكيل وزارة مساعد، بتهمة تزوير بصمة العمل. حكم عليه بالسجن 7 سنوات، وبالمدة نفسها على المراسل الإيراني، الذي كانت مهمته التبصيم عنه. كما ألزمت المحكمة الوكيل رد مبلغ 113 ألف دينار للدولة.

ضبط الوكيل متلبساً بالجرم مع عدد آخر من الموظفين ممن دأبوا على تزوير البصمة. وقد أتاح التزوير لهم تجنّب أي خصومات من رواتبهم.

وعلى الرغم من أن الوكيل قام بسداد كامل ما ترتب عليه من أموال للدولة أمام النيابة، فإن الأخيرة قررت إحالته إلى المحكمة، التي أصدرت حكماً ابتدائياً بسجنه وعزله، وألزمته دفع الغرامة المذكورة، ومن المتوقع الطعن على الحكم أمام بقية درجات التقاضي.

الأغرب من ذلك أن هذا الوكيل دأب، منذ أن كان مديراً ثم تكليفه وكيلاً مساعداً، ووكيلاً مساعداً بالأصالة، على انتهاج هذا التزوير لسنوات طويلة، من دون أن ينكشف أمره. كما حصل على مكافأة الأعمال الممتازة عن العامين الماضيين 2021 و2022 بمبلغ كبير. كما تقاضى مكافأة الصفوف الأمامية خلال جائحة «كورونا»، مثله عشرات آلاف الموظفين الآخرين غير المستحقين، وفوق ذلك كان يترأس لجنة فحص طلبات مكافآت الصفوف الأمامية.

يثير موضوع هذا الوكيل مجموعة من الأسئلة المحيرة:

ما الذي دفع من في وظيفته المرموقة للجوء إلى ذلك الأسلوب الإجرامي، فقط ليتجنب خصومات قليلة من راتبه؟

وكيف استمر لسنوات في اتباع هذا الأسلوب من دون أن ينكشف أمره؟

وكيف مُنح مكافأة الأعمال الممتازة، وهو غالباً ليس على رأس عمله؟

والأهم من ذلك: كم عدد أمثال هذا الوكيل في مختلف الوزارات؟

لا شك أن غياب عنصر الأخلاق في الدولة، بشكل عام، أصبح ظاهرة، وهو ما دفع هذا الوكيل، وآلاف غيره من المسؤولين، إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم، وربما تقلّد بعضهم مناصب أعلى بكثير تالياً، وأصبحوا بحكمها أعضاء في المجلس التشريعي!
* * *
قصة هذا الوكيل، وعامل الصدفة في انكشاف أمره، ذكّراني بطرفة كتبتها قبل سنوات، عن أسد هرب من حديقة الحيوانات، ولم يستدل عليه لسنوات. لكن انكشف أمره، بسبب خطأ ارتكبه، فأعيد إلى حديقة الحيوان، ليمضي بقية حياته في سجن صغير، بعيداً عن فضاء الحرية الذي كان يتمتع به.

لجأ الأسد، بعد هروبه، إلى مبنى البلدية، واختبأ في أكثر إدارات البلدية تخلفاً وفساداً، وهو الأرشيف. وكان على الأسد، التهام قلة من المراجعين، وبعض موظفي الأرشيف، الذين لم يفتقد أحد غيابهم يوماً، إما لعدم أهمية ما كانوا يقومون به، أو لأنهم أصلاً كانوا من المجموعة، التي كانت تكتفي بوضع البصمة ثم العودة للبيت.

خطيئة الأسد وقعت في إحدى العطل الطويلة، حيث لم يكن هناك لا مراجعون ولا موظفون، وكان فرّاش الإدارة النشط أول من حضر لدوام ذلك اليوم، فأقدم الأسد الجائع على التهامه.

كان من الممكن أن يمر الحادث، مثل ما سبقه من حوادث، لكن الفرّاش كان الوحيد، الذي يعرف مكان أي ملف في الأرشيف، وغيابه تسبب في إصابة كل إدارات البلدية بالشلل التام. وبما أن كاميرات المراقبة بينت دخوله المبنى، وعدم خروجه منه، لذا تطلّب الاستعانة بالأمن والدفاع المدني للبحث عنه في سراديب البلدية وممراتها وأنفاقها، فكانت النتيجة اكتشاف الأسد، فأعيد إلى سجنه في الحديقة، ولولا خطيئته التي تمثلت في التهام «الفرّاش»، لبقي في الأرشيف حراً حتى اليوم!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top