الممثلان العظيمان

لم يحظَ رئيس أميركي بشعبية طاغية، في تاريخ أميركا الحديث، كما حصل عليها فرانكلين روزفلت، ومن بعده رونالد ريغان. كما لم يحظَ رئيس أوكراني بشعبية طاغية في تاريخ أوكرانيا، كما حصل عليها الرئيس الحالي فلاديمير زيلينسكي، والاثنان تتشابه سيرتهما في نواحٍ جوهرية، حيث قَدِم الاثنان للسياسة وتالياً لرئاسة دولتيهما من خلفية فنية بحتة، كما لم يكونا مميزين في أدوارهما الفنية أو السينمائية، لكن تحلى الاثنان بروح النكتة، وحب إلقائها، وهذا أعطاهما القدرة على مواجهة الجماهير والتفاعل معها. وكما حدث مع ريغان، فإن نسبة عالية من ناخبي زيلينسكي لم يتوقعوا أن يستمر ويصبح بتلك الجماهيرية والقوة، وفاجأ الاثنان ناخبيهما بقدراتهما المميزة.

بدأت قدرات ريغان بالظهور مع قراره بمواجهة الديموقراطيين، والحد من قوة الاتحادات العمالية، أسوة بما قامت به مارغريت تاتشر في بريطانيا. ومكّنته مهاراته الخطابية من التواصل مع الجماهير في القضايا الجوهرية بأسلوب سهل ومفهوم، وقاد حركة محافظة جديدة، استطاع من خلال ديناميكيتها تغيير السياسية الأميركية، وجعل الأميركيين الذكور يصوتون أكثر للجمهوريين، خصوصاً بعد أن نجح في إنهاء الحرب الباردة مع روسيا بشكل حاسم لمصلحة وطنه، وتمهيد الطريق تالياً لتفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، وهذا أعطاه مكانته العالية في قلوب الأميركيين، وجعله بين الرؤساء العشرة الأكثر شهرة في التاريخ الأميركي.

ترك ريغان الرئاسة عام 1989 بعد أن شهد الاقتصاد الأميركي ازدهاراً، بعد نجاحه في تخفيض معدلات التضخم والبطالة بنسب كبيرة، وزيادة الإنفاق العسكري الذي أتعبت مجاراته الاتحاد السوفيتي.
***
شهد الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي واحداً من التحوّلات السياسية الأكثر دراماتيكية في التاريخ الحديث. فقبل غزو روسيا لأوكرانيا، كانت نسبة تأييده بين الناخبين متدنية، واليوم يقارنه بعض المراقبين بـ«ونستون تشرشل» أوكرانيا، وبدأ هذا التحول مع 24 فبراير 2022، مع اتجاه الجيش الروسي نحو كييف، بهدف اعتقاله أو قتله! لكنه قرّر، في تعارض مع نصائح كل مستشاريه، البقاء في قصر الرئاسة، والمقاومة، رافضاً الاختباء، قائلاً: «نحن جميعاً هنا، جنودنا هنا، المواطنون هنا، وسندافع عن استقلالنا»، وأثار موقفه الصلب إعجاب الجميع، فقد اشتهر كممثل كوميدي وليس كقائد قوي وعنيد، وهذا رفع من نسبة التأييد لقراراته لما يقارب الـ%90، خصوصاً بعد أن أصبح أكثر نشاطاً ونجاحاً على الساحة الدولية، حيث ألقى الخطب الحماسية في البرلمانات الأوروبية، وأمام الكونغرس الأميركي، ومؤخراً في الأمم المتحدة، وكسب تأييد الكثير من الدول لقضيته، ومكّنه من جمع عشرات مليارات الدولارات كمساعدات مالية وعسكرية، لكي تستمر مقاومته، وصمود شعبه.

كما قام مؤخراً، وبعد موافقة البرلمان الأوكراني، بأغلبية 338 صوتاً مقابل 21، بتعيين رستم عمروف وزيراً للدفاع، وهو المسلم الوحيد في مثل هذا المنصب في كل أوروبا، ولم يتردد في القيام بذلك، وهو المنحدر من أصل يهودي، وهذا يوضح الطابع الحديث والعميق للقومية الأوكرانية، التي تتجاوز الانتماءات المجتمعية.

كما أن ترقيته للتتاري رستم عمروف مكّنت من تسليط الضوء على الدور الرئيسي، الذي تلعبه هذه الأقلية في أعمال المقاومة ضد العدوان الروسي، وفي تعبئتها لتحرير جميع أراضي أوكرانيا المحتلة، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، التي ضمها الكرملين لروسيا في عام 2014. وكما قال زيلينسكي يوماً: «كل شيء بدأ في شبه جزيرة القرم، وكل شيء سينتهي فيها».

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top