كوارث حالية.. وأكبر منها قادمة

لن أكلَّ، وحتماً لن أملَّ من الحديث عن التعليم، ودقّ أجراس الإنذار الواحد وراء الآخر. فعلى الرغم من عدم إيماني بتعميم نظريات المؤامرة، فإنني أصبحت أؤمن، بوتيرة متزايدة، بأن هناك جهة تتآمر على الدولة للحطّ من قدرها، لغرض في نفسها، من خلال الإبقاء على تخلفنا في التعليم، فكلما زاد هذا التخلّف زادت سيطرتها على مكونات الأمة، فالأمة الجاهلة، أو السيئة التعليم أسهل انقياداً وأكثر تقبّلاً للمتطرف من العقائد والأفكار.

كشفت إحصائية رسمية ما يعانيه الجسد التعليمي في المدارس الحكومية بالكويت من أمراض بالغة الخطورة، فقد بيّن التقرير السنوي لإدارة الخدمة الاجتماعية والنفسية في وزارة التربية، للعام الدراسي 2021–2022، عن كم كبير من المشكلات والمخالفات التي تعانيها المنظومة التعليمية، في مقدمتها تعثّر 24 ألف طالب دراسياً، فضلاً عن 7 آلاف يتغيبون عن الحضور للمدرسة، إلى جانب 20 ألفاً لديهم مشكلات صحية، و676 يعانون أمراضا نفسية. وأظهر التقرير، الذي نشر في «الجريدة»، أن عدد حالات الغش المسجلة بلغ 343، وهو رقم يبدو صغيراً، لكنه مرعب عندما نعلم أنه وقع في المرحلة الابتدائية! وهو ربما الأعلى في العالم، نسبة لحجم الكويت، ودليل على تبيّن أن الغش أصبح عادة كويتية، وموضوعاً يتم تداوله بكل «أريحية» في الكثير من البيوت!

كما بيّن التقرير أن إجمالي الطلبة، الذين سجلت لهم ملفات في إدارة الخدمة الاجتماعية والنفسية، بلغ 70 ألفاً، أو %18 من مجموع الطلبة! وبلغ عدد حالات العدوان اللفظي والبدني على المعلمين 1340 حالة، وعشرة أضعاف ذلك من الطلبة على زملائهم (13868)، فضلاً عن 19 حالة اعتداء وتحرش. مع 1357 حالة لطلبة مدخنين، و8 لتناول المسكرات والمخدرات، إضافة إلى 2567 حالة هروب من الحصص، و521 هروباً من المدرسة، فضلاً عن 4 حالات «اضطراب الهوية الجنسية»، و3 لاضطراب السلوك العقائدي، وكل هذه أرقام مرعبة ومخيفة، وتبدو بالفعل أكثر خطورة مع وجود كل هذا القدر من الدروس الدينية ضمن مقررات المدارس، التي تثبت للمرة المليون أن لاعلاقة لدروس الدين بالأخلاق. فالأخلاق في المدارس بانحدار، مع زيادة قبضة الأحزاب الدينية على مقدراتها، وسماح الحكومة لها بالتحرّك الحر فيها، مع التضييق على كل دعاة المدنية بينها، حتى في المدارس الخاصة، والأخطر من كل ذلك أن الأعداد بازدياد، وخصوصاً في منطقة الأحمدي التعليمية، والجهراء والفروانية، ثم حولي التعليمية، ومن بعدها العاصمة ومبارك الكبير. والمرعب في الأمر أن حالات التعثّر الدراسي متقاربة، إلى حدٍّ كبير، بين الذكور والبنات (11876 للبنين و11818 للبنات)!

انتهى التقرير الرسمي بمجموعة مهمة من التوصيات، ولا أعتقد شخصياً أن جهةً ما ستتعامل معها بطريقة جدية، فالمسألة متعلقة أيضاً بتعاون الطلاب وأولياء الأمور، وهذا ليس سهل التحقيق أبداً، علماً بأن الوضع أكثر سوءاً مما تبينه الأرقام الرسمية.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top