خمور أميركا ومخدرات الكويت

أصدر الكونغرس الأميركي في 20 أكتوبر 1919 قانوناً حظر به بيع أو شراء أو حتى استهلاك الكحول علناً. ولأسباب يطول شرحها. لم تكن الحكومة الفدرالية جادة في فرض العقوبات، ولكن التشدد كان من سلطات الولايات، وقد نتج عن القانون تقليل واضح في استهلاك المواد المسكرة، إلا أنه تسبب، كما كان متوقعاً، في نمو الجريمة المنظمة، ووقوع عشرات آلاف الضحايا نتيجة تناول مواد قاتلة، مع ارتفاع كبير في معدل الجريمة، وتسببت مجزرة وقعت في عيد الميلاد بمدينة نيويورك، في عام 1926 ببدء تصاعد حملة المطالبة بإلغاء القانون لمضاره الخطيرة، بعد أن لقي أكثر من 80 شخصاً حتفهم نتيجة تناول خمور سامة!

في كتابها الصادر عام 2010 تحت عنوان «دليل السموم»، قالت الكاتبة ديبورا بلوم إن ما لا يقل عن مئة ألف شخص لقوا حتفهم بسبب حظر الكحوليات على مستوى الولايات المتحدة. وعلى وقع ذلك، أضحى الحظر ممارسة فاشلة، وهذا دفع الكونغرس لإلغاء القانون في 5 ديسمبر 1933.
***
تحاول إيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979 تكرار تطبيق حظر الكحوليات، لكن النتيجة كانت بالغة السوء، كما سبق أن حصل في أميركا. فعلى الرغم من صرامة الحظر والتهديد بعقوبات سجن وغرامات مالية والجلد فإن ذلك لم يمنع من زيادة استهلاك الخمور، وكما كان متوقعاً فقد تسبب ذلك في تكوين شبكات سرية لتخمير الكحول، وأخرى لتهريبه. كما زادت حدة حالات التسمم نتيجة تناول الكحول المغشوش، مع توسع كبير في نشاط السوق السوداء، وقد أشار الطبيب والباحث الإيراني محمد كاظم عطاري، إلى أن السنوات الأخيرة شهدت زيادة من %20 إلى %30 سنوياً في عدد الأشخاص الذين أصيبوا بالتسمم أو ظهرت عليهم آثار جانبية سلبية، من جراء شرب كحول مغشوش. وقال في مقابلة مع قناة dw إنه مع انتشار حالات التسمم المرتبطة بالكحول في مدن عدة في الوقت نفسه، فقد أثار ذلك الشكوك بأن الأمر قد يكون متعمداً أو ناجماً عن خطأ في عملية التصنيع المحلية، نتيجة إضافة مواد سامة إلى المشروبات أثناء الإنتاج!

من جانب آخر، تعد تركيا من أكثر البلدان المسلمة تسامحاً في قضية شرب الكحول، وتنتشر فيها الحانات، لكن من اللافت للنظر أن الفرد فيها لا يستهلك إلا ليتراً ونصف الليتر من الكحول في المتوسط كل عام.

وفي مقابلة أخرى مع قناة dw الألمانية قال يوسف أرسلان، وهو عالم اجتماع تركي معروف إن تركيا تسلك نهجاً ليبرالياً ولا تمنع شرب الكحول. ومع ذلك، هناك أعراف اجتماعية تنظم الأمر بمعزل عن القانون.

وفي الكويت، حيث تمنع قوانينها المتاجرة بالكحوليات او جلبها للبلاد، فقد أصبح مؤخراً خبر إلقاء القبض على شبكة أو أكثر لتهريب المخدرات أو بيعها مادة يومية في بيانات وزارة الداخلية، بحيث بدا وكأن الوضع أصبح خارج السيطرة، مع ازدياد أعداد المتعاطين، والمدمنين، خاصة بعد أن أصبحت منطقة الخليج هدفاً لمهربي المخدرات، والكيميائية منها بالذات، والسبب يعود غالباً لمنع تناول المشروبات في بعضها، وارتفاع دخل الفرد، وتوافر النقد بأيدي الصغار، وانحدار الأخلاق، بشكل عام، وعدم التفات الحكومة لمعالجة هذه الآفة بخلاف سعيها الحثيث والقوي لمحاربة التهريب بمختلف الوسائل. وواضح أن الأمر يتطلب إستراتيجية أمنية خليجية موحدة لمواجهة التهريب من جهة، ومعالجة آثار الإدمان على المخدرات وتعزيز التعاون الأمني بقدر يساعد في بناء حائط صد ضد المهربين، والأهم تكثيف التوعية بخطورة هذه الآفة، فحالياً تكتفي السلطات بالتوعية الدينية، وهذه ثبت عجزها الواضح عن حل هذه المأساة المتفاقمة، وواضح أن الحل، في جزء كبير منه، يتطلب مواجهة الواقع المر الذي نعيشه، من خلال اتباع طرق غير تقليدية، وإلغاء القوانين الحالية المقيدة.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw


الارشيف

Back to Top