عبدالهادي العجمي وطلب الشهرة على حساب الحقيقة

اشتكى النائب عبدالهادي العجمي، مدرّس التاريخ السابق في جامعة الكويت، من على بوديوم المجلس، من انخفاض عدد المقبولين للدراسة في كلية الطب، على الرغم من تقدّم الكثير من «المتفوقين» لها! وتساءل، ربما عن عدم فهم، عن سبب عدم قبول 1000 طالب سنوياً مثلاً؟ وأضاف أن عدد ساعات عمل الدكتور في كلية الطب لا يتعدى الساعات الثلاث.. سنوياً، ومع هذا يقبض مبالغ كبيرة من الجامعة، ومن وزارة الصحة، ومن عيادته الخاصة!

كما تساءل، وأيضاً بنية سيئة، غالباً، عن سبب الزيادة الكبيرة في عدد الأساتذة إلى الطلبة؟ وطالب أساتذة كلية الطب بالاستقالة إن كانوا عاجزين عن قبول ألف طالب كل عام، وأن يتم استبدالهم، ربما بمثل نوعيته، بمن يقبلون أعداداً أكبر للدراسة في الكلية!
***
لا أعرف النائب عبدالهادي العجمي، مقرّر اللجنة التعليمية، ولا أعرف شيئاً تقريباً عن الطب، لكن جهلي لم يمنعني من الشك في ما ورد على لسان النائب، فهو لا يذكر الحقيقة دائماً، وسبق أن تصديت، في أكثر من مقال، لمغالطاته التاريخية، قبل أن يُنتخب وغيره أعضاء في أهم لجان المجلس، وأقلها فائدة، وهي اللجنة التعليمية.

لجأت بأسئلتي إلى عدد من الأستاذة الذين يمكن الثقة بهم، ممن تولوا التدريس، أو ممّن في مسؤولية العمادة في كلية الطب، فجاءت أجوبتهم صادمة، حيث تبيّن منها أن لا ملاحظة من التي ذكرها النائب العجمي صحيحة، بل كلها على الأرجح مقصودة.
***
تدريس التاريخ، أو أية مادة أخرى، من دون استثناء تقريباً، ليس كتدريس الطب. فكليات الطب المرموقة، التي تسير «الخليجية» على نهجها، تعتمد على معايير ومتطلبات أكاديمية صارمة لا يجوز التلاعب بها، وفقدها أجبر وزارة التعليم العالي، بضغوط من وزارة الصحة، على وقف إرسال دراسة الطب إلى مصر والأردن، وهذا موضوع مقال آخر.

مدرّس التاريخ مثلاً، مع الاحترام له ولمادته، لن يتضايق إن تبيّن له أن عدد حضور محاضراته يزيد على المئة أو حتى الخمسمئة. لكن لا يمكن تخيّل حدوث ذلك في دراسة الطب. فمنهجه يتطوّر ويتغيّر كل يوم، في الوقت الذي لا تغيير يذكر مثلاً في مادة التاريخ. وقد أجبرت كل كليات الطب الحديث، ومنها الكويت، على التخلّي عن تدريس الطب بالطريقة القديمة، بل أصبح الطبيب مجبراً، لكي يعرف المرض، أن يكون ملمّاً بالتشريح، وبعلم الأمراض، وبالباطنية والجراحة، منذ سنوات الدراسة الأولى، وهذا لا يمكن أن يتم بمجموعات كبيرة، بل بثمانية طلاب لعضو هيئة تدريس واحد. كما أن محدودية حجم وعدد وسائل الدراسة، كالمشرحة وقاعة التدريس وأسرّة المستشفى، تجعل ما يمكن لكلية الطب قبوله كل عام مسألة غاية في الصعوبة. فقبول 100 طالب جديد يتطلب الأمر توفير 500 سرير مستشفى جديد!

ولعلم من حاول التجنّي على أساتذة في كلية الطب، مشهود لهم بالأمانة والكفاءة، من خلال اتهامهم بقبض مبالغ كبيرة لقاء ثلاث ساعات عمل في السنة، فإن ساعات التدريس الحقيقية أكثر من ذلك بكثير جداً، وأي موظف في كلية الطب يعرف ذلك، فكيف غابت عمّن يعتبر نفسه أستاذاً ومشرّعاً؟
***
لقد سقط النائب في مغالطات جسيمة، وما صرّح به لا يعدو عن كونه خطاباً شعبوياً عاطفياً، لكي يقول لأولياء أمور من لم يتم قبول أبنائهم في كلية الطب إن اللجنة التعليمية أدت ما عليها، واللوم يقع على الكادر التعليمي في كلية الطب. وكان حرياً بالنائب تحرّي الدقة، فالمسألة ليست في العدد بل في النوعية، وكلامه دليل إما على تعمّده التجنّي على غيره، أو عدم فهمه لكيفية تدريس الطب وتعقيداته بالمقارنة مع بقية التخصصات.

وجود السيد النائب، وغيره، في لجنة التعليم البرلمانية، خير دليل على أن إصلاح التعليم لمواكبة متطلبات العصر والتقدم للمستقبل بعيد جداً عنا. وكان حرياً به الطلب من الحكومة التوسّع في فتح أكثر من كلية طب، وبناء مستشفيات تعليمية تخدمها، بدلاً من الإدلاء بإشاعات واتهامات لا تمت إلى الحقيقة بصلة!

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top