نهاية الدولة المدنية على يد البراك

في 2 أغسطس 1990 دخلت علينا قوات الغزو العراقي الغاشمة، ونحن نيام في بيوتنا، وما زالت ذكرى أحداثها المرعبة محفورة في أذهان من كانوا في الكويت حينها، يصعب عليهم نسيانها، فلم يكن الأمر غزواً واحتلالاً، بل غدراً وخيانة قذرة من طرف كنا نعتبره صديقاً وشقيقاً وجاراً.
 ***
بعد 33 عاماً من ذلك اليوم الكئيب، يتساءل النائب السابق أحمد الفضل بألم: لماذا لم تعد للدعوة للوطنية والحث على التزام الدستور أي أثر في نفوس أغلبية الناس المحبطة والفاقدة للأمل؟ هل لأنهم فقدوا متعة الحياة في ظل تسيّد ثقافة الكره والحسد والتحريض والبغضاء والإقصاء والتشدّد الديني، الذي قادته الأنانية السياسية والمصلحة الحزبية، التي تنهش في وحدة البلد وأمنه واستقراره حتى تركته قاعاً صفصفاً؟

ويقول، بحرقة، خلال ثلث القرن الضائع من عمرنا وعمر الوطن، قمنا بتبديد جميع الفرص الذهبية، التي أتيحت لنا بعد التحرير. فبدل أن نعيد بناء الإنسان الكويتي أضعنا هويته، وبدلاً من تقوية الاقتصاد واستدامته دمرناه، وبدلاً من محاربة الفساد نميناه، وبدلاً من تنظيف ملف الجنسية وتطهيره أقمناه، وبدلاً من إنهاء أزمة الدون حولناها إلى كارثة، وبدلاً من أن ننعم برفاهية الحاضر مع تأمين المستقبل، ها نحن نندب الاثنين معاً. فأصبحنا كسفينة تتلاعب بها أمواج إقليمية ودولية متلاطمة لا توصل إلى ميناء أو شاطئ، بل توصل إلى صخرة صماء يتحطّم عليها كل شيء!

ونتساءل معه: ما الذي جرى لنصبح بين يوم وليلة دولة طالبانية باختيارنا؟ وكيف يأتي السيد سعد البراك، نائب رئيس الوزراء، وزير النفط، وزير المالية بالوكالة، والمسؤول عن صندوق استثمارات الكويت، الذي يحمل لقباً علمياً، ويصرح في مجلس الأمة بأن «الحكومة» ستعيد للكويت القطاع الخاص الحقيقي (الظاهر كنا في قطاع خاص غير حقيقي، لقرنين، من دون أن ندري)؟! واستند جناب الوزير في فكرته على أحداث وقصص لا يمكن الجزم بصحتها تعود إلى بدايات الإسلام، علماً بأن مبادئ وأسرار التجارة الحرة تعود إلى ما قبل ذلك بأكثر من ألف عام.

لا أدري من أين أتى السيد البراك بكلامه، وما هي الأسس التي اعتمد عليها، علماً بأن هناك فرقاً هائلاً، علمياً وعملياً، بين الاقتصاد والتجارة، ومشكلتنا في الكويت اقتصادية، وليست تجارية لنحتاج إلى الاقتداء بأمثلة قديمة، حتى لو صح ما يتم تداوله، فهو يتعلق بطرق بيع وشراء السلع، ولا علاقة له بدور الاقتصاد في دولة حديثة، بالغة التقييد. فهو بكلمته يخاطب الفكر السطحي السائد حالياً لدى الجماهير، التي أصبحت تتجاوب وتنفعل مع ما يفعله أو يفكّر به غيرها، أو «الآخرون»، وهي نغمة تطبيق الشريعة، التي أصبحت «موضة»، وهذا تلاعب بعقول الأغلبية «المسكينة».
***
لا أدري كيف قبلنا بوضع كل هذه القوة المالية والفنية بيد وزير له مثل هذه الآراء وهذا النوع من التفكير؟ نقول ذلك ونضيف بأننا لا نختلف معه بتاتاً فيما ذكره من أن الحكومة تاجر فاشل، وأن ليس بإمكانها إدارة أي عمل تجاري، ودورها ينحصر في الرقابة والتشريع والحكومة، وفتح الفرص والدعم، وإدارة بيئة اقتصادية صديقة، ولكن كل ذلك لم يكن مبرراً لإقحام رموز دينية، لها وقارها واحترامها، في قضايا عصرية لا علاقة لهم بها، فقط ليؤكد أن الكويت، التي كانت مدنية وعصرية، طوال تاريخ، في طريقها لأن تصبح دينية ولا علاقة لها بالعصر؟

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top