مسلوق فهد البسام ومليار الإجازات

يقول المحامي القدير فهد البسام إن من أوهم الناس بأن مجرد السرعة في إقرار القوانين يعتبر إنجازاً يستحق الفخر، لم يوفق، حيث تحول المشرّع لمقاول مطلوب منه سرعة الإنجاز، بصرف النظر عن الجودة. فقد استعجلت الحكومة والمجلس في سلق القوانين، بعيداً عن المهنية والاحترافية والرويّة وبعد النظر، ولم تأخذ بعض القوانين بالتالي حقها من النقاش الجاد والعميق والبحث، وكذلك آثارها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. فالنواب والوزراء راحلون حتماً، وستبقى القوانين العرجاء وغير المدروسة بمثالبها تزعج الخلق، ويصبح الأمر مقلقاً أكثر في ظل الظروف التعليمية والتربوية السيئة الراهنة.

كما أن هذا التسابق والإسهال التشريعي يعدان مخالفين للائحة الداخلية للمجلس، التي لا تجيز من حيث الأصل إجراء المداولة الثانية إلا بعد أربعة أيام من الأولى، مع وجود الاستثناء، الذي لا يقبل التوسع.

من القوانين التي سلقت مؤخراً قانون الإسكان، الذي أشبعه المختصون انتقاداً، وبينوا مثالبه وشبه استحالة تطبيقه، وسيعود حتماً للمجلس يوماً لتعديله.

كما جاء قانون شراء إجازات موظفي الدولة مهلهلاً، بعد أن أُقرّ بعجالة، حيث تضمن مثالب عدة ظهرت للعلن مؤخراً، ومن أخطرها اضطرار وزارة المالية إلى مخالفته بسفاهة واضحة، متجاوزة نصوصه وكل القواعد الدستورية والمحاسبية، وصرف مبالغ تتجاوز بكثير جداً ما نص عليه القانون!
***
بعد نشر مقالي عن موضوع بيع الإجازات، تبيّنت أمور خطيرة، منها تورّط الحكومة وعدد من النواب في إقراره، وهم على علم بأن مبلغ الـ300 مليون دينار لم يكن كافياً.

كما طالب نواب المجلس المبطل من «الخدمة المدنية» بالتراجع عن شرط حصول الموظف الراغب في بيع إجازاته، على تقريري تقييم أداء بامتياز، قبل تاريخ الصرف، غير أنه تم إلغاء هذا الشرط بناء على ضغوط النواب، وخضوع الحكومة لهم، وهذا كبّد المال العام نحو 700 مليون دينار إضافية، مع احتمال ارتفاع المبلغ لمليار، مع الانتهاء من شراء كل الإجازات.

إن هذا الفساد في الإقرار والصرف، نتيجة تدخلات نيابية، دليل على استمرار التخبط والفوضى اللذين شابا قرار بيع الإجازات، وأصبح التسبب اتهاماً تتبرأ منه السلطتان، وتبيّن أن حتى أكثر الموظفين سوءاً في الأداء حصل على مبلغ وصل الى تسعين ألف دينار (للموظف الواحد)، وهذه معجزة أرضية غير مسبوقة!

مليار دينار وفوقها 300 مليار ضاعت من المال العام، ولم ينبس نائب أو مسؤول ببنت شفة، غير النائب عبدالوهاب العيسى، الذي كشف الفضيحة. حتى المعنيين في وزارة المالية لم يوجّه لهم أي لفت نظر أو حتى عتاب، بالرغم من إقرارهم بأن الضغوطات النيابية هي السبب في تفاقم وضع بيع الإجازات المدنية.

يفترض أن الحكومة والمجلس كانا على علم بالعدد الكبير لموظفي الحكومة، البالغ 420.8 ألف موظف، وحاجة الأمر لفترة طويلة لمعرفة عدد الراغبين في بيع إجازاتهم، وعدد من تنطبق عليهم الشروط. لكن بعض الجهات المعنية رأت في الفخ طيراً كبيراً، فعاثت في قانون بيع الإجازات لعباً وفساداً، وسهلت حصول «أصحابها» على حصة الأسد منها، قبل غيرهم، وقبل ان تنكشف فضيحة التجاوز التي يصعب بلعها!

الفساد والخراب مستمران، ولن تنهيهما تحذيرات رئيس مجلس الأمة، ولا غيره. وكان مؤسفاً ملاحظة ما ورد على لسان الرئيس، في كلمته الأخيرة، من ألفاظ غير لائقة بحق أصحاب الفضل الحقيقي في تاريخ الكويت ونهضتها.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top