التخادن الخطير والمدمّر!

في مجلس الأمة الحالي كتلتان، متفاوتتان في الحجم. تسعى الأولى والأصغر إلى الوصول لمبتغاها، من قوة ومناصب، وهذا حقها، إن توافرت فيها الشروط وسلكت الصحيح من المسالك للوصول إلى ما تريد. والثانية الأكبر تعرف هدف الأولى، وتستغله، وستستغله أكثر في تحقيق أجنداتها، لعلمها بحاجة الكتلة الأولى إلى مواقفها وإلى أصواتها في القادم من الأيام، ربما لحسم بعض الأمور المصيرية.

انكشف تعاون، أو تخادن، الطرفين، من خلال الهجمة غير المبررة من أعضاء الكتلة الثانية وتكالبها على إقرار أكبر عدد ممكن من القوانين، التي ستغير من نمط الحياة في الدولة، من خلال «أسلمة» الكثير من الأنشطة، من خلال تقديم الغريب والعجيب من مشاريع القوانين، كإعدام السحرة والمشعوذين، ومنع كل عمليات التجميل وإغلاق عياداتها، ومنع الوشم، وإعادة الرقابة المسبقة على المطبوعات والكتب المستوردة، وإنشاء صناعة دوائية وفقاً للشريعة الإسلامية، ومنع المرأة من تولي القضاء، وسجن المتشبهين بالجنس الآخر، حتى مولدات الطاقة لم تسلم من مقترحاتهم، وكان آخرها تحويل الكويت إلى عاصمة «الاقتصاد الإسلامي»، وكأننا كنا بالأمس فقط دولة شيوعية ملحدة كافرة، وجاء الوقت لإعادة الشعب إلى حظيرة الإيمان!
***
قدمت الحكومة مشروع قانون «المفوضية العليا للانتخابات»، ودسّت في ثناياه، وحتماً بضغط من نواب قندهاريين معروفين، نصاً يشترط لمباشرة المرأة حقها في الانتخاب والترشيح الالتزام بـ«الأحكام والقواعد المعتمدة» في الشريعة الإسلامية (!!).

للأسف الشديد، لم يثر النص حفيظة أو اعتراض نوابنا، الذين كنا نتوسّم فيهم الخير، دع عنك المتطرفين منهم، إلا النائبة جنان بوشهري، وهي بالمناسبة سيدة محجبة، فقد قامت منفردة بالاعتراض الشديد على المادة، والتحرك في مختلف الاتجاهات، وتوجيه سؤال محدد للجانب الحكومي في اجتماع اللجنة التشريعية أثناء مناقشة مشروع القانون، عن ماهية القواعد والأحكام المعتمدة في الشريعة الإسلامية، التي يشترط على المرأة الالتزام بها لممارسة حقها السياسي؟ فكان عذر الحكومة أن هذه الضوابط كانت موجودة في القانون السابق (وهذا غير صحيح، حيث إنها ألغيت بحكم من الدستورية)، وأن النص وضع «لتجنّب دخول الحكومة في مواجهة مع الطرف الآخر»! وإجابة الحكومة عذر أقبح من ذنب، حيث بيّنت بوضوح تخاذلها وتعاونها الواضح مع الجهات المتطرفة في البرلمان!

أقرّ القانون يوم الخميس الماضي في مداولته الأولى، ونتمنى أن يتم تعديله في مداولته الثانية، وإن لم يتم ذلك، فهذا ما تستحقه نساء الكويت اللواتي اخترن التزام الصمت إزاء هذا الشرط الجائر والمتخلف والملتبس، في معناه وفي تركيبته!
***
للنواب آراؤهم ومواقفهم، وتباينها من طبائع الأمور، ولكن كيف توافق حكومة تصر على تسمية نفسها بالرشيدة، بالتعاون مع قوى متخلفة تهدف إلى وأد الحريات، وإنهاء كل ما حققته المرأة من مكتسبات، بعد صراع مضن وطويل، لتأتي اليوم وتدس مثل هذا النص الشديد التخلف في مقترح القانون، فقط لإرضاء متخلفي المجلس، لكي يقوم هؤلاء بالوقوف معها في الوصول لأهدافها في السلطة والقوة؟

ليست هناك جهة يمكنها إعطاء تفسير مقبول لنص المادة 16 من قانون مفوضية الانتخابات، وستكون للأمر، إن أقر بصورته الحالية، تبعات وخيمة، خصوصاً على صعيد مشاركة المرأة مستقبلاً كمرشحة في أية انتخابات مقبلة.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top