الكندري وسرقة الحاقدين لعلومنا

يقول فايز الكندري، الذي كان معتقلاً في «غوانتانامو»، والذي تكلفت الدولة الملايين لإطلاق سراحه، وإعادته لوطنه:

«... كان الاقتصاد الإسلامي الأقوى لقرون، وكانت حضارتنا الأكبر في التاريخ، وامتدت لقرون، وبلغت حدودنا الصين شرقاً والأطلسي غرباً. وفي الجانب العلمي، فإن لأبي البركات البغدادي الأسبقية على العالم البريطاني نيوتن في اكتشاف قوانين الحركة. كما اكتشف ابن سينا دودة البلهريسيا (كما نطقها) ومرض السحايا. كما اكتشف البيروني قوانين الجاذبية قبل غيره، كما فسر ظاهرتي الكسوف والخسوف، واستطاع قياس قطر الكرة الأرضية، وكرويتها قبل جاليليو، وحدد خطوط الطول والعرض، وقال إن سرعة الضوء أكثر من سرعة الصوت، وإن الرازي اخترع خيوط الجراحة المستخدمة حالياً، وإن الخوارزمي هو أبو اللوغاريتمات، أساس علوم الكمبيوتر، وأن ابن الهيثم بيّن لنا كيف ترى العين. وقال إن الغرب لصوص سرقوا علوم الأمم الأخرى، ونسبوها لأنفسهم لحقدهم علينا. كما سرقت أميركا ثروات العراق وأفغانستان!

ما كنت لأرد على كلامه، الذي ورد في برنامج الصندوق الأسود، لولا تكرار ما يماثله من الكثير قبله، ووجب الرد لأنه غير صحيح في أغلبه، وهذا يتطلب التوضيح، خصوصاً مقولة إن سبب كل تخلفنا يعود إلى بعدنا عن الدين، علماً بأن أكثر الدول تشدداً دينياً، وهي أفغانستان، التي ذهب ليحارب فيها دفاعاً عن نظامها السياسي الحالي نفسه، لا يوجد فيها أي تقدم من أي نوع كان، بالرغم من «شديد» تمسك حكومتها بصحيح الدين، وتطبيق تعاليمه حرفياً!

كما أن أميركا، رسولة الفكر الغربي، التي سبق أن حررت اليابان من أوهامها وربوبية إمبراطورها، وأنقذت ألمانيا من دكتاتورها المجنون، وانتشلت كوريا من براثن الشيوعية، وحررتنا من بطش الطاغية، لم تنهب من ثروات هذه الدول شيئاً، بل فعلت العكس، حيث أغرقتها بأموال دافعي الضرائب لتعيد الحياة إلى شرايينها، وهذه ليست شهادة تبرئة لتاريخ أميركا الدموي، ولا للتاريخ الاستعماري الأوروبي، فهذا معروف، وتصرفت وستتصرف كل الدول القوية، متى ما وجدت أن من مصلحتها استعمار الدول الأخرى الأضعف منها، وما قامت به الدولة الأموية والعباسية والعثمانية وغيرها ليس استثناء، فهذه طبيعة البشر.

أما فيما يتعلق بمنجزات ابن سينا والخوارزمي، والعشرات غيرهما الذين نسيهم، أو تناساهم الأخ فايز، فهم، لعلمه، منبوذون دينياً، ومطعون في صحة إيمانهم جميعاً تقريباً، وتناسى الكندري ما لاقاه هؤلاء من قتل وتشريد وسجن، وحرق كتب، واتهامات بالزندقة والانحراف على يد كل خلفاء دول «الإسلام» المتعاقبة، وأن هذا هو سبب تخلفنا، وليس الاستعمار الذي أخذ منا العلوم التي يتحدث عنها لأنهم «حاقدون»، بل لأننا قتلنا علماءنا وهجرنا معارفهم ونبذنا علومهم، واعتبرناهم عنواناً للكفر والهرطقة!

هل يعلم الأخ فايز أن رجال الدين أحرقوا كل كتب ابن رشد؟

وأن ابن سينا كان ملقباً بإمام الملحدين؟

وأن الرازي كان يسخر من شيوخ الدين؟

وأن التوحيدي أحرق كتبه بنفسه بسبب القهر من رجال الدين؟

وأن المعري فرض السجن على نفسه للأسباب نفسها؟

وهل يعلم أن ابن المقفع قطّعت أطرافه وأجبر على شيّها وأكلها؟

القائمة طويلة، ولا يتسع المجال لذكر كل شيء، ويكفي أن نعرف أن الإمام الشافعي، كان يعتبر علوم الطبيعة والكيمياء والفلسفة من المحرمات، وأنه والإمام الغزالي والذهبي وابن القيم وابن الجوزي وابن تيمية وغيرهم، أفتوا بتكفير وهدر دم كل من يمتهن العلوم العقلية التي تسببت، باعتقادهم، في ابتعاد المسلم عن دينه!

اذهب واقرأ تاريخك، الذي تفتخر به، جيداً، وقم بعدها بإلقاء المحاضرات علينا، من خلال الصندوق الأسود!

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top