طلال وانهيار اقتصاد أميركا

يتفق معظم الأميركيين على أن اقتصادهم ليس على ما يرام، وسبق أن وضع البعض الأمل في ترامب، ليعيد لأميركا مجدها، وهذا ما حاول الرئيس بايدن القيام به، حيث أنفقت إدارته تريليوني دولار على إنعاش الاقتصاد، لكن ذلك أدى إلى زيادة قلق الأميركيين، مع وصول الدين القومي إلى رقم مرعب، حيث بلغ أخيراً 32 تريليون دولار، وهو في تصاعد، فالحكومة تطبع وتنفق أموالاً أكثر مما يردها من ضرائب وإيرادات. كما أن السياسة الضريبية معقدة، وتتضمن إعفاءات عدة تقلّل من فعاليتها، هذا بخلاف تكلفة محاربة الركود وتمويل الحروب، وكل هذا زاد من نسبة دين الحكومة المرتفع مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، وحدّ من قدرة الحكومة على الاستجابة لحالات الانكماش الاقتصادي المستقبلية، وارتفاع أسعار الفائدة، وزيادة تكاليف الاقتراض للشركات والأفراد.

يرى خبراء أن مستوى معيناً من الدين الوطني ضروري لتمويل البرامج والاستثمارات الحكومية المهمة. ويرى غيرهم أن هناك قلقاً بشأن الاستدامة الطويلة الأجل للديون الوطنية الأميركية، واستمرار تصاعده، وهذا قد يؤدي في النهاية إلى أزمة مالية أو فقدان الثقة في الاقتصاد الأميركي، مع عجز الإدارات المتعاقبة في معالجة العجز وزيادة الضرائب، وإصلاح برامج الاستحقاقات، ولكن هناك دائماً معارضة سياسية كبيرة لهذه الإجراءات. ويصعب التكهن إلى متى يمكن للولايات المتحدة أن تستمر في تحمّل مستوى عال من الديون الوطنية. ومع كل هذا نرى أن أغلبية الاقتصادات الكبرى والمستثمرين لا يزالون راغبين في الاستمرار بشراء السندات الحكومية الأميركية، طالما أن الاقتصاد مستمر في النمو، والحكومة قادرة على خدمة مدفوعات الديون!

وكون الاقتصاد الأميركي هو الأكبر في العالم، فإن العالم ينظر إليه باعتباره الملاذ الآمن للمستثمرين الباحثين عن مكان موثوق به لإيداع أموالهم، خصوصاً أن الإدارة الأميركية لديها القدرة على طباعة عملتها، وهذا يمنحها درجة من المرونة في إدارة الديون. ومع ذلك، يمكن أن يؤدي هذا أيضاً إلى التضخم وتحديات اقتصادية أخرى إذا لم تتم إدارته بعناية.

والخلاصة، إن كل هذا القلق على الاقتصاد الأميركي، الذي يبديه المبتدئون والخبراء على السواء، ومنهم معلقون ومدققو حسابات، من أمثال «طلال أبوغزالة» وغيره، يخفي في الحقيقة قصة نجاح مذهلة، وشبه دائمة، ومع هذا لا تحظى بالتقدير الكافي. فلا يزال الاقتصاد الأميركي الأكبر والأغنى والأكثر إنتاجية، الأهم من ذلك الأكثر ابتكاراً في العالم، من خلال عدد مثير للإعجاب من المقاييس، يلهث منافسوها بمسافات خلفها، وخير دليل دورها الرائع خلال جائحة كورونا، وما قد يصيب العالم من أوبئة مستقبلاً، فأميركا هي الوحيدة التي ستكون في المقدمة، والقادرة على صرف المليارات، من دون تردد أو صعوبة مالية ما!

يُقال في الأمثال الغربية إن الحجم مهم size matters. فمن حظ أميركا تمتعها بسوق استهلاكي كبير، بإمكانه امتصاص تكاليف البحث والتطوير بسهولة. كما أنه سوق «رأسمال» عميق، يمكن من خلاله جمع أي تمويل لازم لأي مشروع. وربما سيكون بإمكان الصين مستقبلاً، وربما الهند، التباهي ذات يوم بقوة مجتمعاتها الشرائية، التي تعطيها ميزة تفتقدها بقية الاقتصادات الكبرى.

إن جميع أولئك الذين يحذرون من انهيار الدولار وعجز الاقتصاد الأميركي، مثل طلال وغيره، ويحتفظون بجل أموالهم، إن لم يكن كلها، بالدولار، هؤلاء يشبهون الذي يتظاهرون ليلاً أمام سفارة أميركا ويحرقون أعلامها، ويصطفون صباحاً أمامها طالبين الهجرة إليها.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top