سمير ولملمت

ذكر الزميل الكبير سمير عطا الله في مقال له قبل أيام قصة أغنيتين لفيروز «أنا يا عصفورة الشجن»، والثانية «لملمت ذكرى لقاء الأمس بالهُدُب»، بمناسبة ما ذكره الأستاذ العراقي داود الفرحان من أن كاتب الأغنيتين، أو القصيدتين، سيد شاب، ومعمم من جنوب لبنان، يدعى علي بدر الدين، وأن عاصي الرحباني، زوج فيروز، اشترى القصيدتين منه بمبلغ 150 ليرة لبنانية، شرط عدم البوح باسم الشاعر، كونه رجل دين.

شكك الزميل سمير في رواية الفرحان، لافتاً إلى أنه ذكر أن عملية الشراء تمت في منتصف السبعينيات، بينما يُشير غلاف أسطوانة «لملمت» إلى أنها غُنّيت عام 1961، يوم كان بدر الدين طفلاً. كما أن الشاعر اللبناني هنري زغيب يحتفظ بالأسطوانة الأصلية للأغنية، وعلى غلافها تاريخ تسجيلها.

وأضاف الزميل سمير أن معرفته، المتواضعة بالراحل منصور، أتاحت له معرفة «بطلة» القصيدة وظروف تأليفها والسهرة التي التقى فيها منصور وصاحبة الأهداب.
***
لا شك لدي في صحة ما ذكره الأستاذ عطا الله، فمنصور وعاصي كانا في غنى نسبة بعض أجمل ما كُتب في الشعر العربي إليهما! وأضاف، مستدركاً، لكن من منا يملك الدلائل الحاسمة، لكن الشك في رواية الفرحان هنا يفوق الحقيقة ألف مرة، وسوف يكون أكثر إذهالاً وإدهاشاً أن يكون الفرحان على حق!
***
نسبة القصيدتين للسيد على بدر الدين جاءت من أكثر من طرف، وطالما أن كل أطراف القصة قد غادروا دنيانا، بخلاف السيدة فيروز، فمن شبه الاستحالة معرفة الحقيقة من دون سؤالها، وقد لا تمتلك الجواب الحاسم!

كما أنه من الغريب اكتفاء الأخوين رحباني بشراء أغنيتين فقط من أشعار بدرالدين، خصوصاً أن ثمن الواحدة حينها لم يزد على 30 دولاراً!

ولد بدر الدين عام 1949، وقتل عام 1980 في قريته، بعد اختطافه على يد مجهولين (!) ودفن على عجل، بسبب الظروف السياسية المربكة التي أحيطت بظروف اغتياله!
***
ما يهمنا هنا قراءة كلمات القصيدتين وتلمس ما في أبياتهما من معان أكثر من رائعة، وتصبح كالحلم عند سماعهما بصوت فيروز الخيالي.

لملت ذكرى لقاء الأمس بالهدب

ورحت أحضنها في الخافق التعب

أيدٍ تلوّح من غيبٍ وتغمرني

بالدفء والضوء بالأقمار بالشهب

ما للعصافير تدنو ثم تسألني

أهملت شعرك راحت عقدة القصب

رفوفها وبريق في تلفُّتها

تثير بي نحوها بعضاً من العتب

حيرى أنا يا أنا والعين شاردة

أبكي وأضحك في سرّي بلا سبب

أهواه من قال إني ما ابتسمت له

دنا فعانقني شوقٌ إلى الهرب

نسيتُ من يده أن أسترد يدي

طال السلام وطالت رفة الهدب

حيرى أنا يا أنا أنهدُّ متعبة

خلف الستائر في إعياء مرتقِب

أهوى الهوى يا هلا إن كان زائرَنا

يا عطرُ خيّم على الشُّباك وانسكب.

أما كلمات الأغنية الرائعة الثانية، فتقول:

أنا يا عصفورة الشجن

مثل عينيك بلا وطنِ

بِي كما بالطفل تسرقه

أول الليل يدُ الوَسَنِ

واغترابٌ بي وبي فرحٌ

كارتحال البحر بالسفن

أنا لا أرضٌ ولا سكنٌ

أنا عيناك هما سكني

راجعٌ من صوب أغنية

يا زمانا ضاع في الزمن

صوتها يبكي فأحمله

بين زهر الصمت والوَهَنِ

من حدود الأمس يا حلماً

زارني طيراً على غُصُنِ

أيُّ وهمٍ أنت عشْتُ به

كُنْتَ في البالِ ولم تَكُنِ

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top