الظواهر الحكومية المخفية وكتائب الجحوش

أشعر بأن لجنة الظواهر السلبية ما هي إلا أداة حكومية لخلق الجدل وإلهاء الأمة بتوافه الأمور، فتقبل بوضعها، وتنتشي فرحاً لمجرد النجاح مثلا في إبقاء فعاليات ماراثون ما، دون تغيير، وتصوير الأمر وكأنه انتصار. ولا أدري كيف تقبل حكومة لنفسها في القرن الـ21 أن يصبح غلاة المتخلفين في البلد، مع قلة عددهم، رقباء على أخلاق خمسة ملايين فرد، يتحكمون في التصرفات العامة والفردية بعنف واضح، وينشرون ما «طاب لهم» من إعلانات ورسائل سلبية في المجتمع دون التفات لمشاعر أي كائن، ولا للحريات ولا لمبادئ الدستور الواضحة!

لماذا قبلنا بانتقال قوى التخلف والردة من الجيران وإلى بيوتنا وعقولنا وقلوبنا، وتركناها تتغلغل في النفوس، مع كل هذا الانفتاح الذي يعيشه العالم من حولنا؟ لماذا أصبح مجلس الأمة، ولأول مرة، كامل الدسم في تشدده وتخلفه، بخلاف نوعية معينة وقليلة العدد جدا؟

إن المحافظة على أخلاق المجتمع لا تأتي عن طريق مثل هذه اللجان وعبر مثل هذه القوانين والضوابط والنواهي، وخير دليل سجلات وملفات المخافر والمحاكم التي تثبت، يومياً، أن أكثر الناس تدينا، ونحن علينا بالمظهر، لا تقل جرائمهم ومساوئهم عن غيرهم، إن لم تزد، ومقارنة مستوى الأخلاق بين مختلف المناطق السكنية دليل آخر، فالأخلاق تأتي من البيت والمناهج الدراسية، والقدرة على التحكم في حجم الأسرة، وليس من الشارع. فيجب أن يكون للأب والأم الوقت والقدرة على تعليم وتهذيب وتربية الأبناء، أما إذا كان عددهم كبيرا، كما هو سائد في غالبية مناطقنا السكنية، فالخيار الوحيد هو ترك تربيتهم للشارع، لهذا يريد هؤلاء من الحكومة أن تربي أبناءهم من خلال ما يقترحون من قوانين وضوابط وتشريعات.

الحريات في الكويت ليست فقط في تراجع بل الوضع العام برمته في تراجع، وكل استجابة لطلبات القوى المتخلفة يفتح شهيتها لمطالبات أكثر تشددا وأقسى وقعا وأكثر ضررا!

مشكلتنا تكمن، كما سبق أن ذكرنا، في تعمق النفاق والجهل بيننا.

فليس هناك ـــ كما كتب سعيد أناشيد ـــ نفاق أوقح من أن نطالب بزيادة مواد الدين في المناهج الدراسية ثم نسجل الأبناء في مدرسة أجنبية أو نتلقي العلاج في مستشفيات الغرب. وليس هناك نفاق أحقر من كل هذا التسيب الإداري الذي نعيشه، وقبض الرواتب دون عمل، ثم الهرولة نحو المساجد، دون أن يلفت نظر كل هؤلاء خراب الأرصفة وتهالك وضع الشوارع، ولا حكم من أغلق بسيارته الطريق، في الوقت نفسه تنفتح مآقي عيونهم، مستنكرة، رؤية تنورة أو سروال قصير، أو لوحة إعلانية فيها 3 أصابع آيس كريم!

إن النفاق هو أن نرى سيدات يحكمن العالم، ويدرن صندوق النقد الدولي ومحكمة العدل الدولية ومعظم منظمات الأمم المتحدة، ويعملن وزيرات دفاع وحتى قادة جيوش، ونحن نضن عليهن حتى قيادة كتيبة من الجحوش!!

تخلفنا لا يعود لبعدنا عن الدين، فكل من سبقنا، ونحن تحت كامل رحمتهم، عسكرياً وطعاماً ودواءً، هم من المنتمين لأمم ليبرالية، وربما كافرة، وبالتالي فإن فشلنا يعود لاهتمامنا بالقشور، ورفض التقدم، والسكوت عن الفاسدين منا، خاصة إن كانوا من جماعتنا، لأننا تعودنا على الجبن ورفض قول الحق.

ملاحظة:

تعرض قياديو ديوان المحاسبة، الذراع الرقابية لمجلس الأمة على مالية الدولة، للهجوم والتشكيك غير المبرر من بعض أعضاء المجلس. نتمنى ألا تكون النيات مبيتة ضدهم، مسبقاً!

قراءة أسماء من هاجم هؤلاء القياديين تبين أنهم لا يريدون القوي الأمين في مناصب الديوان الحساسة.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top